في موضوع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول "الدُّنيا ملعونة"، نجد أن الحديث روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عبر سلسلة سند تتضمن شخصيات مختلفة تنوعت آراء العلماء بشأن مصداقيتها وموثوقيتها. الصحابي عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، الذي يعد الراوي الرئيسي لهذا الحديث، قد اختلفت فيه الآراء بين المؤيدين والمعارضين لموثوقيته بسبب وجود بعض الشبهات القائمة عليه. ومع ذلك، فقد اعتبر العديد من العلماء مثل أبو حاتم الرازي وأحمد بن حنبل بهذا الشخص موثوقاً في مجال الرواية.
ومع التحليل الدقيق للسند والمتن، يمكننا استنتاج أن الوجه الأكثر قبولا لهذا الحديث يكمن في فهمه ضمن سياقات إيمانية خاصة بالأعمال التي تقرب العبد إلى الله وحده. فعبارة "الملعونة" هنا تعني بعيدة عن فضائل التقوى والإيمان، وهي تصور للدنيوية التي تُبعد المرء عن ذكر الله وتعالى عنه. وهذا يعني أن الكراهة ليست عامة لكل جوانب الحياة الدنيوية، ولكن للحالات التي تساهم في صرف الانتباه عن طاعة الخالق عز وجل.
وقد دعم هذه النظرية عدة علماء بارزين بما في ذلك الإمام الترمذي الذي وصف الحديث بأنه حسن وغريب، بالإضافة لحافظ الإسلام ابن رجب والحافظ ابن حجر وغيرهما ممن رأوا فيه أدلة مناسبة للمواعظ والدروس الأخلاقية المتعلقة بإبعاد القلب عمّا ليس منه بطيبة ومحبّة نحو ما يدعو لقربة الرب سبحانه وتعالى.
وأخيراً، تجدر الاشارة الى تأكيد بعض الفقهاء المسلمين كالفقيه الكبير ابن تيمية على عدم صحّة اعتبار العالم بأجمعها شيئا مذموماً حسب هذا الحديث؛ إذ أكّد أنّ الكثير مما يعرفه البشر ويعيشونه داخل حدود الأرض جزء مهم ورزقا مقدسا يستحق امتنان العباد لله الواحد الأعلى مصدر الخير والنعم جميعا حسب قوله جل جلاله:(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ). بناءً على كل تلك الأدلة والفهم المجدي للحديث المطروح، يمكن الاستنتاج بأن معناها الفعلي يشير تحديدا لأفعال دنيائية محددة محصورة فقط والتي تحتسب ضد رضا الرب وخوف الإنسان منه والصالح لدينه الذي يجب العمل بموجبه دائما أثناء مدارات الأيام المختلفة.