في بيان مؤثر، نقل لنا المؤرخ ابن أبي الدنيا خطبة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- التي توضح علامات التحول نحو الانحدار الأخلاقي في المجتمع المسلم. وفي هذه الخطبة، تنبأ الصحابي الكبير بزوال أهم القيم الإسلامية مثل الفضل في أداء الصلاة، واحتقار العدل والأمانة، وانتشار الغش والكذب، فضلاً عن زيادة الظلم المرتبط بالرشوة والفساد الجنسي. كما حرص ابن مسعود -رضي الله عنه- على تقديم نصائحه للأمة بالتزام الاحتراز والحذر عند ظهور تلك المظاهر المخيفة، حتى يتمكن المرء من حفظ نفسه ودينه.
وعلى الرغم من قوة ونبوئية محتوى هذه الرواية، فقد أثارت العديد من التساؤلات حول مصداقيتها وأصولها الروائية. وفقاً للمعلومات المتاحة لدينا، جاءت هذه الكلمات الرائعة عبر سند طويل وعالي الدرجة إلى حد كبير، مع عدد من العلامات الراوية المشهورين. ومع ذلك، وعلى الرغم من كون معظم هؤلاء الرجال رجال صدق وثقة بحسب المعيار التقليدي لتاريخ الإسلام المبكر، فإن هناك نقطة ضعف مهمة تهدد مصداقية السلسلة بشكل عام: عدم الاتصال الواقعي بين عبد الله بن مسعود وسائر الرواة الذين ذكرهم السند. وكشف متن الرسالة نفسها أن يحيى بن عقيل قد أخبر بأنه قد علم بأن النبي القدير كان يلقي خطبه يوم الخميس الخاص به أمام طلابه فقط وليس لهم علاقة شخصية معه مما يعني وجود فصل معروف وغير قابل للتغيير بين الحدث الأصلي والرسول الذي نقل لنا خبرته لاحقا . وهذا يمكن اعتباره حالة "الانقطاع" وهي قضية مشكلة ذات تأثير عميق ومتطلبة بالنسبة لأي قصة اسلامية تتجه إلى التصنيف ضمن مجموعة النصوص المعتمدة والتي تستحق الاعتماد عليها كمصدر شرعي ومعلومات تاريخية موثوق بها.
وقد حققت دراسة تحقيق بحثية أخرى لهذه النظرية نتائج أقل بكثير فيما يتعلق بالقيمة العلمية بسبب الاختلاف الكبير في ترتيب ومكونات الإسناد المستخدم فيها بينما أسماء بعض الرواة الأخرى غامضة للغاية بحيث يصعب التعليق عليها بناء علي المعلومات المقدمة حالياً. لذلك يجب التعامل بحرص شديد عندما يراد استخدام نصوص كهذه خارج حدود الدراسات الأكاديمية المقارنة أو مجرد الاستخدام كدراسة للقواعد العامة لاستمرارية الأفكار والمبادئ عبر القرون المختلفة ولكن بدون ادعاء اليقين النهائي بشأن صحتها التاريخية بشكل مطلق داخل السياق الإسلامي التقليدي.