في ظل الحديث حول أداء الخلفاء الراشدين لحقوق زوجاتهم، يأتي ذكر عمر بن عبد العزيز الذي لم يكن معروفاً بغسله من الجنابة أو الاحتلام أثناء فترة ولايته. وقد أثارت هذه المعلومة تساؤلات حول توافقه وسلوكياته مع ما ورد في سنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن المهم التأكيد أولاً على أن الإسلام يشجع بشدة على غسل الجنابة والاحتلام لما فيه من نظافة وصحة روحية وجسدية. ومع ذلك، يجب علينا أيضاً فهم السياق التاريخي والواقع المعيش لعمر بن عبد العزيز. حيث كان عصره مليئاً بالتحديات والإصلاحات السياسية الضخمة التي كانت تحتاج كل اهتمامه وطاقته. بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار عدم الغسل قد يكون نتج عن تفاهم واتفاق مشترك مع زوجته فاطمة بنت عبد الملك، وهي امرأة ذكية ومتفهّمة لقضايا الدولة آنذاك. لذلك، رغم أنه ربما تأخر عن تطبيق إحدى التعاليم الدينية اليومية بشكل حرفي، إلا أنه لم يخالف القانون الشرعي لأن اتفاقه مع زوجته يندرج ضمن حدود حقوقها ويمكن تصنيفه كتنازل اختيارياً.
وتستند هذه النظرية أيضاً إلى مبادئ الفقه الإسلامي الخاص بتقديم الواجب الأقوى والأكثر ضرورة عندما تتضارب الأمور. وفي حالة عمر بن عبد العزيز، يبدو أنه اختار التركيز على مسؤولياته الهائلة تجاه شعبه بدلاً من التقيد الروتيني لرعاية شخصية كانت بإمكانها التسامح والاستيعاب بناءً على ظروف العمل الخاصة به. وكما أشاد الشيخ ابن تيمية بأن "الورع المطلق يعني معرفة الشخص لكسب أفضل المنافع وتجنب أكبر المضار". وبالتالي، فقد قدم عمر الأعظم والأهم بالنسبة له ولبلاده بعناية وحكمة كبيرة.
وهذا الأمر ليس بالأمر الفريد في تاريخ المسلمين. فقد امتنع العديد من العلماء والقادة المسلمون الكرام الذين يتمتعون بكفاءتهم وقدرتهم الاستثنائية عن الزواج بسبب هموم أخرى ملحة كال Jihad الدعوي والعلمي وغيرهما. وهكذا، بينما تشجع الشريعة الإسلامية بكل وضوح الزواج باعتباره أحد سنن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إلّا أنها تسمح أيضا بالحالات الطارئة والتي تستوجب إعادة ترتيب للمعاملات الشخصية حسب الظروف المتغيرة وظروف الحياة المختلفة لكل فرد وفترة زمنية مختلفة أيضًا.
وفي النهاية، توضح قصة عمر بن عبد العزيز مدى تعقيد المواقف الإنسانية والحاجة لمعايير مرنة وفقًا للأحوال والقوانين العامة للإسلام التي تدعم تحقيق مصالح المجتمع الأوسع مع احترام جميع الحقوق الفردية أيضًا. إنها دعوة للتأمل الذاتي والنظر مرة أخرى فيما نقدره كمواطنين مسلمين وعلاقاتنا داخل مجتمعنا الأكبر.