لقد اشتهرت آيات القرآن الكريم بتناسق موسيقي خلّاب، مما جعل الكثير يستشهد بهذه الخاصية كدليل على عظمة هذا الكتاب الرباني. أحد الأمثلة الواضحة لذلك هي الظاهرة المعروفة باسم "السجع"، وهو نوعٌ من التقارب الصوتي والأخلاقي في نهايتي النص. رغم الخلاف حول مصطلح 'السجع' باعتبار أنه ربما يشير إلى شكل من أشكال الزخرفة المفرطة والمستهجنة في الثقافة العربية القديمة, إلا أنه بالتأكيد ليس له نفس طابع العيب المرتبط بهذا المصطلح. بدلاً من ذلك، يمكن النظر إليه كوسيلة لإضافة جمال وأناقة إلى اللغة المكتوبة.
وردت حالات مختلفة للسجع في القرآن، سواء كانت ضمن مجموعة واحدة ("البسملة") أو متعددة الأجزاء عبر عدة آيات (كما يحدث غالباً). يقول ابن القيم رحمه الله: "وَلَا شَيْءَ يُبِينُ مُحَاسِنَهُ وَيَبْدِي زِيِنَتَهُ إلَّا بِالوَقْفِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اخْتَلَطَ مَعَ الْمَنْثُور". وهذا يعني بأن عدم الاكتراث بمواقع السجع يؤدي إلى خسارة جمالية كبيرة لنصوص مثل القرآن الكريم. إنه يعطي للتعبير قوة ومتانة خاصة عندما يتم تقديمه بشكل صحيح خلال التسليم والتلاوة.
ومن الجدير بالإشارة أيضا أن استخدام السجع ليس فقط خصائص قرآنية ولكنها أيضاً جزء مهم جداً من شعر وثقافات أخرى عبر التاريخ الإنساني. فهي ليست مجرد تقنية لغوية بل إنها تعكس ذوقاً أدبياً وفنياً عالياً لدى مؤلفاتها.
وفي النهاية، يبقى فهم عمق ومعنى كل جزئية داخل منظومة القرآن عظيمة التعقيد أمراً مستمراً للأجيال المتلاحقة بسبب تنوع مجالات دراستها وكثرة جوانب استنتاجيتها.