بينما تتواتر القصص حول دعاء الجارية الشهيرة التي طلبت المغفرة مستندة إلى حب الله لها، فإن تعميم مثل هذا النوع من التوسل يحتاج إلى دراسة دقيقة استناداً إلى الأدلة الشرعية. وفقاً لأهل العلم وأئمة الدين، لا ينبغي لنا أن نتبع جميع الأقوال والأفعال الفردية بغض النظر عن مصدرها، فالاحترام والتقديس يجب توجيههما فقط نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب القرآن الذين قدموا أدلة وحجج واضحة.
الإسناد التاريخي لهذا الحديث غير ثابت. فقد ورد ضمن "تاريخ بغداد"، ولكن المتلقفون لهذه الرواية -رافع بن دحية ورافع بن يونس– هما شخصيات مجهولة المصدر والموثوقية. بالإضافة إلى أن قبول روايات الأفراد الغير مشهورين أمر مثير للجدل بشكل عام. لذلك، حتى لو افترضنا صحة القصة، يبقى السؤال الأكبر وهو: هل هناك دليل شرعي يدعم استخدام الحب الإلهي للتوسل في الدعاء؟
الإجابة ببساطة هي لا. بينما نحترم نوايا جارية ربما استخدمت روحانية الحدث لتعبير عميق عن إيمانها وعشقها لله عز وجل، فإن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو المرجع النهائي لديننا. لقد أمروا بتخصيص وقت كبير للاقتداء بالسنة النبوية والدراسة المنظمة للأحاديث المشروعة.
ويتضح الأمر أكثر عندما ننظر إلى النص القرآني الكريم نفسه الذي يحث المسلمين على اختيار الطريق المستقيم عبر تشبيه حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قدوة حسنة للمؤمنين الراغبين حقاً في رضا الرب يوم القيامة. وقد أكدت العديد من التفاسير الإسلامية المختلفة على أهمية التعلم والاسترشاد بالأمثلة المقدمة لنا بواسطة نبينا المصطفى.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن التقرب من الخالق يتم غالبًا بالتضرع إليه باستخدام صفاته الجميلة وآيات كتابه العزيز وكذلك الأعمال القلبية والصلاة المستمرة والثناء الدائم. أما الاعتماد العملي على قوة أفكار شخصية كهذه فهو نظري وليس مدعوما بأسانيد موثوق منها.
وعليه، وبينما تحتفل مجتمعاتنا بالإخلاص والعاطفة الشخصية تجاه الخالق الأعلى، فإن أفضل مسار عمل يمكن لمسلمين اليوم اختياره هو مواصلة البحث والتعمق في فهم التعاليم الأصلية للدين الحنيف بناء على أساس سنّة النبي الكريم واتباع نهجه الوضّاح. إنه طريق السلام والهداية لكل قلب مخلص ومتعلم ومتفتح للعالم الغامض للروحانيات والتقرب نحو القديسة المطلقة جل وعلى نعمته وعظم قدرته وقدرته.