على الرغم من عدم وجود مصدر موثوق يؤكد قولاً مشهوراً نسبه البعض لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، "لا تسألوا الله الرزق؛ فإن الرزق مكتوب، ولكن اسألوه البركة فيه"، إلا أن هذا القول يدحضه العديد من النصوص الشرعية والعقلانية.
أولاً، يشجعنا القرآن الكريم على السعي نحو الرزق والاستعانة بالدعاء لتحقيق ذلك. كما أكدت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية الدعاء للحصول على الرزق، حيث علم الصحابي الأعرابي أن يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني". هذا يعني أن الدعاء هو طريق مشروع للسعي نحو الرزق.
ثانياً، التفريق بين الرزق والبركة ليس منطقيًا لأن البركة أيضاً تعتبر جزءاً من نعم الله الواسعة والتي يمكن الاستعانة بالدعاء للحصول عليها. إن الاعتقاد بأن طلب البركة فقط هو تكريس لفكرة خاطئة حول دور الدعاء في حياتنا اليومية.
ثالثاً، تعارض هذه المقولة مع الفهم الصحيح للتوكل والقضاء والقدر. صحيح أن كل شيء مقدر ومكتوب لدى الله عز وجل، ولكنه سبحانه خلق لنا وسائل وأساليب للاستفادة من تلك القضاءات. بالتالي، تركنا لتلك الوسائل يعد انتقاصا للعقل والفهم الشرعي.
وأخيراً، هناك أمثلة تاريخية تدعم الجانب الآخر مثل دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء طوافه حول الكعبة: "اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها... إلخ". هنا، دعا عمر بن الخطاب نفسه بشكل صريح طالبًا الخير والثبات في رضا الله رغم اعتقاده بالقضاء والقدر.
وفي النهاية، يجب علينا اتباع نهج التوازن الذي بشّر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: "تعوذوا بالله من العجز والكسل..." (رواه البخاري ومسلم). فنحن مطالبون بالسعي والجهد وبناء الثقة برحمات رب العالمين ودعواته المستجابة.