قد يبدو ظاهر الآيات التي تقول "إن الإنسان خلق هلوعًا"، وكأنها تدل على أن جميع بني البشر عرضة للهلع والجزع عند المصيبة، والبخل عند النعمة، عدا أولئك الذين يؤدون الصلاة بإخلاص. ومع ذلك، يمكن للمراقبة اليومية أن تشهد على وجود أناس خارج نطاق الدين الإسلامي، كالبوذيين والمسيحيين وغير المؤمنين، ممن يتمتعون بالصبر والتسامح عندما تواجههم مصاعب الحياة. كيف نوازن بين هذا الفهم الواضح للأيات والسلوك البشري كما نلاحظه حولنا؟
هذه الآيات ليست حكماً مطلقاً على كل فرد بشري، بل هي وصف لأنواع من الطبائع العامة لدى جنس البشر بشكل عام. يفسر العلماء هذه الآيات بأن كون الإنسان خلقة هلوعاً -أي مستجيباً بسرعة للهلع والخوف- ليس دعوة للاستسلام لهذه الطبيعة الغريزية. بدلاً من ذلك، فهي تشجع على مقاومتها واكتساب الصفات الحميدة كالصبر والإيثار والشكر لله.
ويوضح العديد من المفسرين، مثل الشيخ السعدي والأمين الشنقيطي، أن الآيتين تصوران القاعدة العامة لسلوك غالبية الناس، والتي قد تتجاوزها مجموعات محدودة وفق ظروف مختلفة. وهذا مشابه لنظام المكافأة والعقاب الذي وضعته طبيعتنا الإنسانية، حيث تطمح النفس دائمًا لأفضل حالاتها بينما تكافح ضد أسوأ ميولها.
ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن القرآن الكريم يحذر من ميل الإنسان نحو الشهوات والنقص والخطيئة، مما يعكس إدراكاً لتاريخ الإنسانية المشترك عبر الزمان والمكان. ومع ذلك، فإن رسالة الإسلام تقدم الطريق للتطهير الروحي والقوة الداخلية اللازمة لتحقيق سعادة أكبر وازدهار كامل.
وفي النهاية، تؤكد دراسة علم النفس الاجتماعي أيضًا على أهمية التعامل مع مجموعة واسعة ومتنوعة من التجارب والمعتقدات أثناء تحليل السلوك البشري. فعندما نقرأ قرآنياً: "إن الإنسان خلق هلوعاً"، يجب أن نتذكر أنها صورة عامة لشخصيته الحالية وليست أحكاماً نهائية أو شاملة لكل واحد بعينه.