في القرآن الكريم، لم تنزل السور جملة واحدة، بل نزلت آياتها شيئًا فشيئًا. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الآيات في موضعها المناسب في السورة، بناءً على توجيهات جبريل عليه السلام. وبالتالي، قد تنزل آيات في مكة ثم توضع في سورة مدنية، والعكس صحيح.

الآيتان "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" (التوبة: 128-129) هما مثال على ذلك. على الرغم من أنهما موجودتان في سورة توبة التي تعتبر مدنية، إلا أن معظم المفسرين يعتبرانها مكيتين. وقد ذكر بعض أهل العلم أنها نزلتا في مكة، بينما استبعد هذا الرأي القرطبي والقاسمي.

الرواية التي تشير إلى أن هاتين الآيتين نزلتا في مكة هي رواية عن ابن عباس، حيث قال آخر ما نزل من القرآن هو "لقد جاءكم رسول من أنفسكم". كما روى أحمد في المسند عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال آخر آية نزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي "لقد جاءكم رسول من أنفسكم".

ومع ذلك، فإن ترتيب الآيات في السور هو توقيفي، أي أنه أمر من الله تعالى. وبالتالي، حتى لو كانت هاتان الآيتان مكيتين، فإن وضعها في سورة توبة المدنية لا يغير من حكمها كآيات مكية. وهذا مثال على تكرار في القرآن حيث تجد آيات مكية مرتبة بعد آيات مدنية.