في هذه الأثناء المقدسة من التاريخ الإسلامي، برزت لحظة تحمل دلالات عميقة وأبعاد روحية سامية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. نستعرض هنا قصة "الإسراء والمعراج"، التي تعد شاهدة بارزة على عظمة الرسالة الإسلامية وارتباط النبي الكريم بالسماء العليا.
كانت ليلاً هادئاً حين استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وعليه جبريل عليه السلام يحمل بُردَيْنِ أبيضين يطلب منه الانطلاق إلى بيت المقدس عبر رحلة آسرة تُعرف بالإسراء. تمت هذه الرحلة بسرعة فائقة فوق ظهر البراق، وهو حصان يُقال إنه يسير ما بين السماء والأرض حتى وصل المسجد الأقصى بفلسطين. هناك، اجتمع بالأنبياء قبله كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام، وتحدثوا حول أمور دينهم ونبيتهم القادم.
بعد هذا اللقاء الروحي العميق، بدأ المعراج نحو السماء، حيث ارتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل خطوة بخطوة أعلى الدرجات، متجاوزاً كل سماء ويلقي التحية على الأنبياء الذين سبقوه فيها. وفي كل مقام جديد، تكشف له أسرار جديدة من عظم قدرته تعالى واتساع ملكوته. بلغ الحد الأعلى عند مقام الفردوس، حيث رأى مكان الخلق الأول للناس؛ ثم نزوله مرة أخرى إلى الأرض بعد تقديم فروض الشرائع الجديدة والقوانين الربانية المتعلقة بالأذان والصلاة خمس مرات يوميا.
تعدّ هذه الحادثة جسراً روحياً ربط سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرحمة المحمدية وبسطها لفئات مختلفة من المؤمنين والمؤمنات. فهي تؤكد إيمان المسلمين بوحدانيّة الله عز وجل ووحدة الدين الإنساني الواحد الذي اختاره رب العالمين لعباده كافةً منذ بداية التاريخ وبداية خلق الإنسان نفسه. تعكس حادثة الاسراء والمعراج أيضاً جوانب عديدة من شخصية النبي الأعظم وشخصيته الرائعة مما جعله قدوة حسنة لكل البشرية جمعاء. إنها دعوة للاستقامة وطاعة لله وحده بدون شريك ورؤية الطريق المستقيم أمام الجميع مهما بدت الحياة صعبة ومتشابكة.
