وصايا لقمان الحكيم، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، تعد مصدر إلهام وتوجيه لأبناء المسلمين عبر الأجيال. هذه التعليمات ليست مجرد كلمات مؤثرة بل هي نظام حياة شامل يعزز القيم الأخلاقية والإرشادات العملية للحفاظ على الطريق الحق والسعادة الدائمة. دعونا نستعرض بعضاً منها بشكل أكثر تفصيلًا لتقدير أهميتها العميقة.
في سورة لقمان (لقمان: 15)، حث لقمان ابنه على طاعة الله وخوفه، قائلا: "يا بنيَّ، اقْسِطْ وَأَحْسِنْ وَاِخْشَ اللَّهَ". هذا يدعو إلى العدالة في كل تصرفاته، وتحسين نفسه باستمرار، والخوف المستمر لله سبحانه وتعالى. فالعدل هو أساس المجتمع المتوازن، والأعمال الجيدة تنمو مع ازدياد الخوف من الله عز وجل.
تناولت الآيات أيضًا دور الوالدين في التربية والتوجيه. قال تعالى في سورة لقمان (لقمان: 2): "يا بني إن كانت تحته دينا فلا تجعلها قريناً لك فتصبح أنت والده"، وهذا يحذر من الزواج بشخص لديه ديون كبيرة قد تؤثر على مستقبل الاسرة. بالإضافة إلى ذلك، دعا لقمان ابنه إلى العمل الصالح فقال: "ولا تبغِ الفساد في الأرض" (لقمان: 33). ويؤكد هنا على ضرورة المحافظة على النظام العام وعدم إلحاق الضرر بالمجتمع.
كما شجع لقمان أباه على احترام الآخرين واحترام العلاقات الاجتماعية المختلفة مثل العلاقات بين الزوج والزوجة وأهل المنزل وغيرها. فقد أمره بأن يقول للناس خيرا حتى ولو كان لديهم خلاف معه، وأن يبتعد عن الغيبة والقيل والقال. وكذلك أكد له أهمية الإنفاق بدون إسراف وبذخ مفرط وقال: "إن الله لا يحب المسيءين"(لقمان: 29). وفي ذات الوقت حثه على بذل الصدقات والخيرات، مشيرا إلى أنها خير دليل على إيمان المرء وإخلاصه لله جل وعلى كما جاء في قوله: "...وتمسك بالعهد أنّ العهد سيُسأل عنه."(لقمان : 17).
وفي نهاية الأمر، وجه لقمان ابنه نحو الحياة الأخرى والحساب بعد الموت فقال له:" يا بني إنّه إذا كان مقدار شعيرةٍ من ذهبٍ ثم أدخل فيها فتراها تتجلى بثقلها فإنّا جعلنا النار مثوىً لكل مكذب ومعتدٍ"(لقمان : 44). هكذا توضح لنا وصايا لقمان مدى عمق تعليماته وفلسفته الروحية والعلمانية المتكاملة والتي تستحق التأمل والتطبيق اليومي لتحقيق سعادة الدنيا والدين.