تعدّ سورة البروج إحدى سور القرآن الكريم التي تحتل مكانة خاصة بين المسلمين لما تحتويه من معاني عظيمة وأحداث تاريخية مهمّة. ولعلَّ أكثر ما يثير فضول القارئ هو سبب نزول هذه السورة العظيمة. جاء نزولها بعد حادثة الفتح الشهيرة عندما فتح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مكة المكرمة خلال غزوة الفتح. وقد كانت أحداث تلك الفترة مليئة بالتقلبات والتحديات، مما دفع الوحي الإلهي لنزول العديد من الآيات الهدائية عبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتوجيه المؤمنين وتحصين إيمانهم أمام الشدائد.
بدأت قصة نزول سورة البروج بحصار قريش للمؤمنين داخل شعب أبي طالب، وهو المنخفض الصغير بالقرب من جبل النور شمال غرب المدينة المنورة. كان هذا الحصار جزءاً من حملتها المستمرة للقضاء على الإسلام ونشر الرعب بين أتباع الديانة الجديدة. لكن رغم الظروف الصعبة والأوضاع المعيشية الحرجة للمسلمين وقتذاك، ظل إيمانهم ثابتاً وعزمهم راسخاً نحو تحقيق رسالة الحق والدعوة إلى عبادة الله الواحد.
في خضم ذلك كله، وقع حادث مؤلم حينما قتل عم الرسول الأكرم أبو لهب، وهو خصم شديد للرسالة المحمدية، جنود الدولة الرومية الذين كانوا يحاولون التعامل معه بشكل غير لائق أثناء عودتهم من رحلة التجارة برفقة ابن أخته عقبة بن أبي معيط. وبعد فترة وجيزة، توفيتا زوجتا أبي لهب بإمرأة واحدة تدعى أم جميل والتي امتنعتُ عن مساعدتهم بسبب آرائها المناوئة للإسلام. ثم تبعت وفاة هؤلاء الأشخاص جميعاً موت أبي لهب نفسه بشكل مفاجئ وفي ظرف قصير جداً مقارنة بالأعمار المتوسطة آنذاك. وبسبب ارتباط اسم "البروج" بتلك الاحداث، انتقلت تسميتها لسورة كاملة تعكس دلالاتها ومعانيها المرعبة بالنسبة للأمم الجائرة والمعاندين لله سبحانه وتعالى.
وعندما رأى المسلمون هول المصائب والبلايا التي حلّت بفئة المقابل لهم، تأكدوا بأن دينهم حقٌ وأن كتاب ربهم صدق وصلاحٌ لكل زمان ومكان. وهذا يؤكد مجدداً أهمية الاستقامة والثبات عند مواجهة العقبات والصراعات الداخلية والخارجية، مستندين دوماً لعون الرحمن وجوده ودفاعه عن أوليائه المجاهدين لدينه جل وعلى. إن فهم السياقات التاريخية لنزول كل فرض قرآني يساعد أفراد المجتمع المسلم اليوم لفهم طبيعة الحياة الفانية وحقيقة الدنيا الزائلة وما فيها من مكائد وملذات زائفة قد تؤدي لصرف الطرق واستضعاف النفس البشرية بالحياة الفانية وزخارفها الجميلة الخادعة. لذلك فإن الانتباه لهذه الوقائع القديمة يدفع البعض لإعادة النظر فيما هم عليه ويجعللهم يستقرون على طريق الثبات والإخلاص للإستجابة لحكمة الرب والمبادىء الدينية الراسخة منذ بداية الخلق حتى يوم القيامة.