القضاء والقدر مفهومان يثيران جدلاً واسعاً في الفكر الإسلامي والفلسفي. يشير "القضاء" إلى علم الله بخفايا الأمور قبل خلقها, وهو معرفته الحقيقة لكل ما سيحدث مستقبلاً. أما "القدر", فهو تنفيذ هذا العلم بالفعل عبر الأحداث التي تحدث وفق مشيئة الله وقدرته.
القضاء: رؤية الله للأحداث المستقبلية
القضاء يعني علم الله بكل ما سيكون في الزمان والمكان بدون تغيير ولا تبديل. هذا العلم ليس مجرد تخمين أو احتمال, بل هو حتمية مطلقة لجميع الأشياء بما فيها أعمال البشر وأفعالهم وأفعال غيرهم. يعبر القرآن الكريم عن هذه الجوانب عندما يقول تعالى في سورة الدهر: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".
القدر: تنفيذ حكم الله وتدبير أموره
القدر ينطبق على الجانب العملي لهذه المعرفة الإلهية. إنه عملية التنفيذ والتسبب بالأحداث بناءً على ذلك العلم البديع لله عز وجل. تتضمن قدرة الخلق والإرادة والمشيئة الدينية. كل حدث يحدث كجزء ضمن خطة إلهية دقيقة ومحسوبة بدقة متناهية. يؤكد القرآن على دور القدر في حياتنا اليومية بقوله سبحانه وتعالى: "الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل". ويشدد أيضاً بأن جميع التصرفات الإنسانية مقيدة بمراد الرب جل وعلى كما جاء في الآية الكريمة: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين".
من المهم التأكيد هنا أنه رغم كون الإنسان مسؤولاً مسؤولية كاملة عن تصرفاته حسب تعليمات الدين الإسلامي الشريف, فإن الأمر الواقع يرجع لمشيئة الله وعلمه السابق بها. لذلك يجب التفريق بين نطاقهما الواسع لكنهما مرتبطتان ارتباط وثيق لتشكلا بذلك نظاماً متكاملاً يحكم مسارات الحياة الدنيا بشكل عام وفي حياة المؤمن خصوصاً. وبالتالي يعد فهم هذين المفهومين أساسياً لفهم دور الإنسان العقلاني الحر داخل عالم محكوم بالقيم والمعايير المقدسة للإرادة الإلهية'.