إن تاريخ الأديان السماوية يعود إلى آلاف السنين، وقد ترك كل دين بصمة فريدة ومعتقدات مميزة عبر كتب مقدسة أساسية تُعد المصدر الرئيسي لتعاليم هذه الديانات. يُعتبر آخر كتاب سماوي لكل ديانة جزءاً أساسياً ومكملاً لهاته التعاليم. هذا المقال سيتعمق في تشابه وأختلاف آخر الكتب السماوية الرئيسية؛ القرآن الكريم عند المسلمين، الزبور لدى اليهود والمسيحيين، والإنجيل بين المسيحيين تحديداً.
البداية مع القرآن الكريم كآخر وحى نزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. يشتمل القرآن على خمسة وعشرين سورة مكية وثمانعشر مدنية ويبلغ مجموع سوره مائة وأربع عشرة سورة. تتناول الآيات الأولى منه تأكيد توحيد الله عز وجل وآيات عظمة خلقه ودلائل قدرته سبحانه وتعالى. بينما تغطي السور المتأخرة مواضيع أكثر تنظيمية مثل أحكام الشريعة الإسلامية وتوجيه المؤمنين نحو حياة أخلاقية متوازنة ومتابعة لأوامر الدين ونواهيه.
بالانتقال إلى الكتاب المقدس المسيحي، يحظى الإنجيل بمكانة خاصة باعتباره النص الأخير المنشور بعد عصر العهد القديم للعهد الجديد للإلهية حسب الفكر الديني للمسيحية الغربية التقليدية. يشير اسم "الإنجيل" حرفيًا إلى الخير والبركة والنبوءة بالإشراق الروحي المرتقب. تتكون الوثائق الكنسية للكتاب المقدس من أربعة كتب إنجيلية هي ماتيو، مرقس، لوقا ويوحنا والتي تعتمد بشكل مباشر على تعليم يسوع الناصري خلال حياته الأرضية وفق ما ورد عنها برواية حواريائه.
وأخيراً وليس آخرا، يحتل سفر داوود المعروف باسم "الزبور"، موقع الصدارة ضمن مجموعة أعمال النبي داوود التي تضمنت أيضًا شعراني الراثيين والمثنوي والشعر الحكمة بالإضافة لسفر الأمثال وسفر الجامعة وغيرهما مما عرف فيما بعد بالتوراه ومصحف داود كما جاء ذكره في التاريخ الإسلامي المبكر. يعدّ الزبور مصدر إلهام كبير للشعب اليهودي إذ أنه يكشف زاوية جديدة للتواصل الشخصي مع الخالق.
إذاً، رغم الاختلاف الكبير بين هذين العالمتين الروحيتين الواسعتين -العالم العربي والعالم الأوروبي/ الأمريكي- فإن هناك تقارب واضح برسم صورة مشتركة حول دور الوحي الرباني كمصدر رئيس للحياة الاجتماعية والدينية للأمم المنتشرة تحت مظلة تلك العقائد المختلفة ولكنها جميعاً تسعى نحو هدف واحد وهو تحقيق رضا خالق الكون والحفاظ على القيم الإنسانية النبيلة والسلوك المستقيم المستند لما أقره السماء قبل الأرض وغرس في النفوس منذ فجر البشرية نوراً يستضاء به ضيق الدنيا وزيفها وظلالها الطويلة ليلاً!
هذه الدراسات المقارنة تساعد على فهم عميق لمبادئ الحياة والتسامح وفلسفة العقيدة لدى شعوب وثقافات متنوعه مستمدة منها رؤيتها الخاصة للوجود البشري وما بعد الموت وما يؤكد الحقائق الثابتة بأن الإنسان مهما اختلفت انتماءاته الجغرافية والثقافية لن يفارق جذوره الأولية وأن الرحلة واحدة وإن تعددت المحطات فيها وطرق السالك المسافر بها.