تعدّ سورة "البروج" إحدى سور القرآن الكريم القصيرة ولكنها تحمل بين طياتها معاني عميقة ورسائل سامية إلى المسلمين. تتكون هذه السورة الجميلة والتي تتألّف من ثلاث عشرة آية فقط, وهي واحدة من السور المدنية التي نزل بها الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلال فترة مكوثه في المدينة المنورة بعد هجرته منها. يبدأ اسم السورة بالذكر للقصر الذي بني آنذاك والذي يُعرف باسم برج الصعب وهو أحد المعالم الشهيرة للمدينة النبوية الشريفة حينئذٍ.
تنقسم الآيات الواردة ضمن هذا الفصل القرآني المبارك لتحتوي بشكل رئيسي حول ثلاثة مواضيع أساسية؛ أولها التأكيد على قدرة الله عز وجل وتسخيره للعوالم والمخلوقات لعبادة الخالق الواحد الأحد سبحانه وتعالى. ثاني تلك المواضيع هو الحديث عن صفاته جل وعلا وصفاته الحسنى وأفعاله المنجزة، بما يشمل خلق الإنسان وإعماره للأرض واستخلاف الجن والإنس فيها للتحكم والتسيير وفق مشيئة الرب خالق البشر جميعا. أما الموضوع الثالث والأخير فهو استوراد قصة قوم ثمود وكيف تعرضوا لعقاب شديد بسبب تكذيب رسلهم وعدم الاستجابة للحق والدين القيم الذي جاء به الرسول صالح عليهم السلام.
إن دراسة تفاصيل كل آية بدقة تبين لنا أهميتها وفوائدها الدينية والمعنوية للإنسان المسلم والعاقل الراغب بتحصيل العلم النافع والسلوك الجدِّي نحو توحيد الذات الإلهية واتباع تعاليم الدين الإسلامي المحمدي الغراء. إن فهم روح النصوص الشرعية عبر النظر مليّا فيما كتبه المفسرون القدامى والمعاصرون يستثير لدى قارئي كتاب الله العزيز شعورا ملكوتيا روائعا وحضورا متجددا لمعنى عظمة القدرة والخلق جل شأن ذي الجلال والإكرام. وبذلك فإن للسورة دور كبير جدا في تهذيب النفوس البشرية وصلتها برب العالمين تقديسا وطاعة مطاعة لنواهيه تعالى وسنة نبينا المصطفى خير البرية.
