اختاره -رضي الله عنه- بأن يكون قبره ملاصقًا لقبر خليفة المسلمين صلى الله عليه وسلم، وذلك امتداد لحب صادق نشأ منذ بدايات الإسلام الأولى. فقد اتسم أبو بكر الصدّيق بشدة تصديقه للنبي محمد -صلَّى الله عليه وسلم- وبكونه أول الرجال الذين آمنوا بدينه، مما جعله رفيق الرحلة الهجرية وعمدةً للنبي في العديد من المواقف العصيبة التي واجهتها دعوة الإسلام الجديدة. لذلك، عندما اقتربت ساعة وفاته في الثالث عشر من شهر جمادي الآخر لسنة ثلاثٍ عشرة للهجرة، وهو شيخٌ غارقٌ في مرض حمى قلبية أثقل كاهله لأكثر من أسبوع، فإن آخر هموم حياته كانت تحديد مصيره الأخروي الآخر. وبفضل توجيه وتمنى واضحين قبل مماته القصيرة نسبياً، والتي توفي فيها مسجياً ما يقارب ستاً وخمسين سنة، تم تنفيذ مشيئة أبي بكر بتكريمه بمكانة عالية بالقرب ممن أحبه أكثر من نفسه. ومن ثم حمل جسده المحبوب أدباً واحتراماً فوق فراش الرسول الكريم وقُدِّمت إليه صلاة الجنازة حسب السنة المطهرة عند نهاية نهار الاثنين الحزين ذلك. وبعد تلك الليلة السوداوية، انتقلت روح القديس عبد الله بن عثمان بن عامر ذو النسب المتقاطعة مع نبينا الشريف عبر الجد الخامس "مرة" تحت الأرض برفقة زملائهما الروحيين؛ حيث أصبحا الآن ثاني وثالث أصنام المدافن البيضاء ذات الإقبال المباركة داخل حرم مسجد النبي المصطفى في مكة المكرمة. وهكذا انضم كلا الرجلين المجاهدين والمخلصين للجسد الطاهر للأنبياء والصالحين ورفقاء الطريق نحو السلام الأبدي والأمان الباقي بإذنه تعالى وحكمة حكمته المتعاليات الغامضة!
الفقيه أبو محمد
17997 Blog indlæg