الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد، فإن دعاء بين السجدتين من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه في ذلك عدة أحاديث. منها ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني". وروي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، وفي بعضها زيادات على بعض، وحاصل ما روي في هذا الدعاء سبع كلمات: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني، وعافني، وارفعني".
وقد اختلف العلماء في حكم دعاء بين السجدتين. فذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الدعاء مستحب وليس من واجبات الصلاة. وذهب الحنابلة إلى أنه واجب لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء بين السجدتين؛ ولأن جميع أفعال الصلاة لا تخلو من ذكر الله، وسائر هذه الأذكار واجبة، فكان حكم الذكر بين السجدتين حكمها. والواجب منه أن يقول: "رب اغفر لي" مرة واحدة، والزيادة مستحبة.
وما ذهب إليه الجمهور من القول بالاستحباب قول قوي؛ لعدم وجود دليل صريح يدل على الوجوب، وهو اختيار بعض الحنابلة أيضاً. قال الحافظ ابن رجب: "وحكم هذا الذكر بين السجدتين عند أكثر أصحاب أحمد حكم التسبيح في الركوع والسجود، وأنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه. وروي عن أحمد أنه ليس بواجب. قال حرب: مذهب أحمد أنه إن قال جاز، وإن لم يقل جاز، والأمر عنده واسع. وكذا ذكر أبو بكر الخلال، أن هذا مذهب أحمد، وهذا قول جمهور العلماء".
ومثل هذه المسائل لا ينبغي أن تكون موضع نزاع وفرقة بين المسلمين، لأن كل قول منها له دليله المعتبر في الشريعة، ومن اقتنع بأحد القولين فلا حرج عليه من العمل به.
وفي الجلوس بين السجدتين يدعو المرء بما شاء من الدعاء، ولا حرج في الزيادة في هذا الدعاء ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم. كما يشرع له أن يدعو لوالديه بعد الإتيان بالمشروع في هذا المحل في سجوده، وبعد تشهده.
والله أعلم بالصواب.