في ظل ظلال المسجد الحرام المطلة على الكعبة المشرفة، نشأ عثمان بن عفان، أحد الصحابة الأبرار وأحد العشرة المبشرين بالجنة. ولد عام 576 ميلادياً، قبل عشر سنوات فقط من مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مما جعل صداقتهما وثيقة منذ الطفولة.
كان أبوه قثم بن عبد العزى غنياً ومؤثراً في قبيلة قريش، لكن لم يكن هذا الثراء مانعاً لعثمان من اكتساب شخصية متواضعة وعطاء سخيّ تجاه فقراء مكّة. فقد كان معروفاً بأنه يقدم الصدقات للفقراء حتى قبل انتشار الدعوة الإسلامية. هذه الصفات استحوذت انتباه النبي الكريم عندما بدأ عمله النبوي، ما جعله أول من أسلم من الرجال الأحرار بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
بعد اعتناقه للإسلام، اختبأ عثمان لفترة خوفاً من بطش كفار قريش الذين كانوا يعاملون المسلمين بقساوة شديدة آنذاك. ولكن شجاعة عثمان دفعت به إلى مواجهة الخطر مباشرةً، فاستمر بتوزيع القرآن الكريم بين الناس رغم علمه بالعواقب الوخيمة التي قد يواجهها. وفي إحدى الليالي الجريئة، جمع نسخاً كثيرة من المصحف الشريف وهرب بها إلى الحبشة لإنقاذها من يد الظالمين.
مع مرور الوقت، شهد عثمان العديد من المواقف البطولية أثناء هجرة الرسول إلى المدينة المنورة وغزو مكة المكرمة وغيرهما. وقد عرف عنه أنه صاحب اليد البيضاء والعقل الرزين، وهو ما جعله واحداً ممن اشتهروا بالحكمة والحزم بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.
وفي النهاية، أصبح عثمان ثالث الخلفاء الراشدين وكان حكمه شهيداً، حيث اغتالته مجموعة من الخارجين عن القانون عام 35 هـ/656م في منزله الفخم بمصر حالياً والمعروف الآن باسم "دار الندوة". ترك خلفه حياة مليئة بالأعمال الصالحة والتضحيات، ليبقى رمزاً للعطاء والشجاعة والإخلاص لدينه ولرسوله الكريم.