ولد العالم الجليل والقارئ المبدع الشيخ محمد صديق المنشاوي في عام 1920 بمدينة طنطا بمصر. ينتمي نسبه إلى أسرة معروفة بالقيم الدينية، حيث تعلم على يد والده صديق المنشاوي وهو صغير السن، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن إحدى عشر عامًا فقط تحت اشراف شيخه في مدينته الأصلية.
انتقلت عائلته لاحقًا للعيش في العاصمة القاهرة، وهناك واصل دراسته لفنون التجويد وفقهها حتى أصبح مرجعًا هامًا في هذا المجال. بدأت مسيرته المهنية كمدرس ومدرّس قرآن داخل مسجد الزمالك الشهير بالعاصمة المصرية. عين فيما بعد عضوًا في هيئة الإذاعة المصرية، والتي مهدت الطريق لعرض موهبته الفريدة أمام الجمهور الواسع عبر أغلب الدول العربية والإسلامية خلال رحلات الدعوة العديدة التي قام بها حول العالم الإسلامي بما فيها اندونيسيا وسورية والأردن وليبيا وغيرها.
كان يتميز الشيخ المنشاوي بإحساس عميق ومعرفة غنية بالأسلوب التربوي والتوجيه الروحي أثناء تلاوته، بالإضافة لإتقانه للقراءات المختلفة والوقفات الجميلة وتعبيرات التجويد. هذه الصفات جعلتها فريدة ومتفردة قل نظيرها لتكون مصدر للإلهام والخضوع لدى مستمعيه. لم تكن مقروءاته مجرد أصوات تتلو الآيات بل كانت تجسد المشاعر الإنسانية وتحول القصص القرآني إلى صور متحركة أمام الأعين الداخلية للساهرين عليها.
ومن أهم سمات تلاواته التأثير البالغ بالخشوع والحزن الطيب، فهي تحمل رسالة قيمة للشباب المسلم بأن كتاب الله ليس مجموعة آيات ولكن الحياة ذاتها إن فهمناه حق الفهم. كذلك امتاز أداؤه بالمبادئ المتعددة لكل مرة تقرأ فيها نفس المصحف، فلا يوجد تشابه بين جلسته الأولى والثانية ولا الأولى والثالثة..الخ، وذلك بشهادتها الغنية بالتعبير السلس والحنان الصداح والصوت العذب الملائكي.
لتوفي الفقيد الكبير في اليوم ذاته الذي رأى فيه نور الدنيا قبل خمسة وستين عاما مضت تحديدًا بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1969 ميلادي الموافق ليوم الثلاثاء 4 جمادى الآخرة 1389 هجريا، ولم يكن فراقه إلا خسارة كبيرة لفقد شخصيته الجليلة وإسناده المعرفي الثمين لكن أثره باقي ونوره دائم برحم الله تعالى عليه وعلى جميع المسلمين الأحياء منهم والموتى إنه جواد كريم غفور رحيم.