نزلت سورة الحجرات في مدينة مكة المكرمة، وهي السورة الثامنة والأربعون في ترتيب المصحف الشريف. تتكون من ثماني عشرة آية، وتبلغ عدد كلماتها ثلاثمائة وأربعون كلمة، وعدد حروفها ألف وأربعمائة وأربع وسبعون حرفًا. جاءت هذه السورة بعد حادثة صدّ المسلمين عن البيت الحرام، حيث رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم رؤيا تأويلها هذا التأويل، وأخبر أصحابه بها.
كان صدّ المسلمين عن البيت الحرام سببًا في إثارة هياج في نفوسهم، مما أدى إلى جريان كثير من اللغط على ألسنتهم. لذلك، جاءت سورة الحجرات لتؤدبهم وتقيمهم على طريق الله، مع النبي الكريم، وفي الإيمان به إيمان يقين لا يخالطه شبهة أو شك.
تبدأ السورة بآيات تحذر المسلمين من رفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وتنهاهم عن الجهر بالقول له كجهر بعضهم لبعض، لئلا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون. ثم تذكر السورة أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم.
وتوضح السورة أن الذين ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. لو صبروا حتى يخرج إليهم لكان خيراً لهم، والله غفور رحيم. هذا البيان هو تفسير لنهي السورة عن الجهر بالقول للنبي صلى الله عليه وسلم كجهر بعضهم لبعض، وهو سبب نزول هذه الآيات.
سبب نزول هذه الآيات هو وفد بني تميم الذين جاؤوا إلى المدينة في السنة التاسعة للهجرة، وهم سبعون رجلاً أو أكثر. جاءوا لفداء أسراهم الذين أسروا في غزوة بني العنبر، حيث منع بني العنبر بني كعب بن العنبر من إعطاء الزكاة. بعث النبي صلى الله عليه وسلم بشراً بن سفيان لقبض صدقات بني كعب، فمنعهم بني العنبر. ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن في خمسين من العرب ليقبض الصدقات، فأسر منهم أحد عشر رجلاً وواحدة عشرة امرأة وثلاثين صبياً. فجاء وفد بني تميم لفداء أسراهم. وكان خطيبهم عطارد بن حاجب بن زرارة، وكان معهم رؤساء بني تميم مثل الزبرقان بن بدر وعمر بن الأهتم والأقرع بن حابس. وكان معهم عيينة بن حصن الفزاري الغطفي الذي أسلم قبل ذلك وشهد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم.