تُعتبر غزوة الخندق واحدة من أهم الغزوات التي خاضتها الدولة الإسلامية الناشئة تحت قيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذه المعركة التي دارت رحاها عام 5 هـ شهدت العديد من الأحداث العظيمة والمعجزات الإلهية التي أثبتت قدرة الله عز وجل ونصره للمؤمنين ضد الظلم والقهر. سنستعرض هنا بعضاً من تلك المعجزات وتأثيرها الديني والتاريخي.
في بداية الغزوة، واجه المسلمون تحديات كبيرة عندما حاصرتهم قبائل العرب من جميع الجهات تقريباً. ولكن بدلاً من الاستسلام للخوف أو اليأس، لجأ الصحابة إلى طلب المشورة والنصرة من رب العالمين. وقد اتخذوا قرار بناء خندق حول المدينة المنورة لحماية النفس من الهجمات الخارجية المفاجئة. وهذا التصرف العملي والديني هو أول معجزة بارزة في تلك الفترة؛ فالخندق كان سلاح دفاع غير متوقع وغير مألوف آنذاك والذي أدى إلى إرباك القبائل المتحالفة عدداً ضدهم.
بعد ذلك، أتى وقت الصلاة الظهر يوم الجمعة خلال الحصار مباشرةً. ارتفع صوت المؤذن يدعو المسلمين لأداء الصلاة بينما كانت أرض المعركة مليئة بالخطر والحروب. ومع هذا الوضع الخارجي الصعب، قرر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه تأدية صلاتهم وسط الأسلحة والحراب. وهذه الواقعة تُعد إحدى علامات النصر الروحي والعسكري المبكر؛ إذ تمثلت فيها قوة إيمان المسلمين وثباتهم أمام الشدائد.
كما شهدت الغزوة ظاهرة سماوية فريدة أثارت دهشة المحاربين وحلفائهم؛ فقد تساقط الثلج بغزارة فوق رؤوس الجيش المناوئ رغم أنه فصل الصيف وما زالت درجات الحرارة مرتفعة جدّاً! وكانت نتيجة ذلك انزعاج كبير وسوء تنظيم بين صفوف العدو مما ساعد بشكل فعال في حسم النتيجة لصالح المسلمين لاحقا.
وفي نهاية المطاف، جاء القرار النهائي للنبي الكريم بتوجيه جنوده لشن هجوم مفاجئ ليلاً على مواقع تخوم العدو أثناء نومهم بعد كشف موقع مخيم قادتهم الرئيسي عبر رؤية صادقة من أحد الأنصار المدبرين لتلك العملية. وقد حققت هذه الهجمة نجاحاً ساحقاً أدى إلى انهيار دفاعات العدو وفرار الكثير منهم هاربين نحو ديارهم دون أثر لهم مجددا.
هذه المعجزات والإنجازات تعد دليل واضح على دعم الرحمن للعزيز المؤمنين ومحاربته لغاصبي الحقوق وظالميهما أيضاً. فهي تعكس قيمة الاعتماد على الله والاستعداد النفسي والجسماني لتحقيق الانتصارات مهما بلغت العقبات وصعوباتها. وفي المقابل، تشير أيضًا لقيمة حسن التدبير واتخاذ الخطوات بحكمة وعقلانية وهو ما يمثل جزء أساسي للتخطيط الحربي والفكري لدى المجتمع الإسلامي منذ القدم حتى الوقت الحالي بإذن الله تعالى سبحانه وتعالى ذو القدرة والرحمة جل علاه.