سورة "الأعلى" هي إحدى سور القرآن الكريم التي تحمل معاني عميقة تتطلب فهم دقيق لأحداثها التاريخية وسياق نزولها للتمكن من استيعاب الرسالة الإلهية بشكل صحيح. وفقاً للمعلومات المتوفرة، فإن هناك عدة أحداث تاريخية قد تكون السبب وراء نزول هذه السورة المباركة.
في البداية، يمكن ربط سبب نزول سورة الأعلى بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل والتأكيد على وحدانيته. كانت قريش تعبد الأصنام وتنكر وجود إله واحد خالق الكون، مما دفع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإلقاء الضوء على عظمة الخالق وحده وعدم حاجة الناس لعبادة غيره. يقول تعالى في مطلع السورة: "سبّح اسم ربك الأعلى". هذا التأكيد على العلو والإعلاء لله يدعو المؤمنين لأن يرفعوا همتهم نحو تحقيق التقرب من الرب سبحانه وتعالى.
كما ارتبط نزول هذه السورة بالأحداث السياسية والدينية المحلية آنذاك. عندما تعرض المسلمون الضعفاء حينذاك لمضايقات ومعاملة قاسية بسبب إيمانهم الجديد، جاءت الآيات لتعدهم بالنصر والتحدي لهم بالمقاومة والصبر. يشير العديد من المفسرين إلى أنه خلال فترة شديدة القمع ضد المسلمين الجدد، نزلت آيات مثل: "وليست التوبة لأولئك الذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما". هنا يعزز الله عز وجل معنويات المؤمنين الصابرين ويخاطب الكافرين بأن أعمالهم لن تغفر مهما ادعوها للتوبة قبل لحظات مماتها.
بالإضافة لذلك، تشير بعض الروايات إلى ارتباط نزول سورة الأعلى بموقف خاص شهدته مكة المكرمة نفسها. فقد اشتهرت بتعدد أصوات المناديب وأصحاب الدعاوى المختلفة فيها. وفي ذلك الوقت، كان هناك رجل يدعى أبي بن خلف وهو أحد المشركين المعروفين بكرهه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإسلامي الجديد. عند رفع صوت النبي فوق جميع الأصوات الأخرى أثناء دعائه يوم الجمعة، غضب أبو جهل وشهر بسلاحه مهدداً بإيذائِه. فنزلت تلك الآية المباركة: "وهو سميع عليم"، لتعكس قدرة الله الذكية بالسماع والعليم بكل ما يحدث حول عباده ومحمد -صلى الله عليه وسلم- خصوصاً منهم.
وفي نهاية الأمر، تعتبر سورة الأعلى جزءاً أساسياً من رسائل الوحي الغراء والتي تأتي ضمن مواقف مختلفة بهدف إبراز قوة الدين الإسلامي والثبات على مبادئه أمام كل تحدٍ واجه مجتمع الصحابة الأوائل.
