للأسرة مكانة عظيمة في الإسلام، فهي اللبنات الأولى لمجتمع متماسك ومترابط. لذلك، تولي الشريعة الإسلامية اهتماما خاصا بالحفاظ على تماسك واستقرار العلاقات الزوجية لما لها من أثر مباشر ودائم في بناء أسرة سعيدة مستقرة. إن دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإصلاح بين الزوجين تأتي ضمن رسالة سامية تقوم على تحقيق الوئام الاجتماعي وبناء مجتمع قائم على الرحمة والتسامح.
وفي هذا السياق، فإن قرآن كريم يشجع بشدة على إجراء عملية الإصلاح عندما تتسبب الاختلافات في توتر العلاقات الزوجية. فعندما تخشى المرأة نشوز زوجها أو تقاعسه عنها، يسمح لها بالبحث عن حل وسط من خلال التفاوض والمصالحة مع زوجها برعاية أحد الأقارب أو المحارم (الحوار المتواتر/ النساء/228). كما يدعو القرأن الكريم للتنبيه والتحذير ثم الهجر المؤقت إذا أخفق كل ذلك، وخير مثال على ذلك قوله تعالى "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا". ولكن قبل الوصول لهذه الخطوات القصوى، يتم التشديد على أهمية التحاور والصبر والتروي للحفاظ على روح السلام والألفة داخل البيت المسلم.
وقد عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه شخصياً لإجراء مصالحات كثيرة بين المختلفين، حتى داخل الأسرة النبوية نفسها. مثل قصة فاطمة وعلي رضوان الله عليهما، حيث حاول الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تجنب انفصال العائلة بسبب نزاع بسيط بين علي وفاطمة بفعلته الرومانسية تجاه أرضيته، مما يعكس حرصه وحبه لعناصر القوة الاجتماعية الضرورية لتطور المجتمع الإسلامي المستقر والسعيد.
إن قوة الاسرة تكمن في قدرتها الداخلية لتحقيق الاستمرارية والإنتاجية رغم تحديات الحياة اليومية المختلفة. بدون محاولات مستمرة لصنع المصالحة والعفو، يمكن أن تصبح المشاكل الصغيرة عقداً كبيرة تهدد كيانات الأسر وتحويل حياتهم الى حالة اضطراب وصراع دائم بلا نهاية. بالتالي فان دعم العملية التصالحية يساعد بكفاءة في الحد من تداعيات الانحراف الأخلاقي والفوضى المنزلية والتي تشكل أساس معظم الأمراض المجتمعية الأخرى بما فيها الجرائم وفقدان الأمن والاستقرار العام.
وبالتالي تعددت طرق تنفيذ عمليات التهدئة وإعادة اللحمة للعلاقات الزوجية منها استخدام الطرق الرقيقة كالنصح والتوجيه والوصايا المقدسة بالإضافة لاستخدام وسائل أكثر رسمية عند وجود طرف ثالث خارج الأسرة ليقدم مشورته ويضمن حقوق الجميع حسب موازين العدالة والقانون الشرعي المنظم لكل الأمور الدنيوية بما فيها مسائل التدخل الخارجي للتوسط والمصالحة بين الزوجين وفق هدفه المعلوم بإيجاد الحل المناسب باستخدام الحكميين المختارين من قبلهما اثنان أحدهم ينتمي إلى عائلة الرجل والثاني المرأة . وقد أثمرت تلك الالية تطبيق العديد من حالات المصالحة الناجحة عبر التاريخ الاسلامي القديمه والمعاصره كذلك .