يعدّ تفسير آية "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" من الآيات التي تسلط الضوء على أهمية الثبات على الدين والهداية التي منحها الله لعباده المؤمنين. في هذه الآية، يدعو المؤمنون الله أن لا يميل قلوبهم عن الحق والهدى، وأن يثبتها على الدين الذي هداهم إليه.
يقول ابن كيسان رحمه الله: "سألوا أن لا يزيغوا فتزيغ قلوبهم، نحو قوله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، كأنهم لما سمعوا قوله تعالى (وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) قالوا: ربنا لا تزغ قلوبنا باتباع المتشابه". وهذا يدل على أن المؤمنين كانوا حريصين على الثبات على الدين والابتعاد عن المتشابه الذي قد يؤدي إلى الزيغ.
ويضيف ابن كيسان أيضًا: "بعد إذ هديتنا إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات". وهذا يعني أن الله هدى المؤمنين إلى الحق من خلال آياته المحكمات، ودعاهم إلى الثبات على هذا الهدى.
وفي الآية، يطلب المؤمنون من الله أن "وهب لنا من لدنك رحمة"، أي أن يعطيهم توفيقًا وتثبيتًا للذي هم عليه من الإيمان والهدى. ويذكر الضحاك رحمه الله أن الرحمة هنا تعني التجاوز والمغفرة.
وتؤكد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية هذا الدعاء. فقد روى أحمد وابن ماجه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، ثم قرأ: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا". وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء كثيرًا، ويدل أيضًا على أن قلب الإنسان بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأن الله هو الذي يقيمه أو يزيغه.
وفي حديث آخر رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك". وهذا يدل على أهمية هذا الدعاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي النهاية، يذكر الحسن البصري رحمه الله أن هذا الدعاء هو دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به، مما يؤكد على أهميته وضرورته في حياة المسلم.
وبهذه الآية والأحاديث، يتضح لنا أهمية دعاء الثبات على الدين والهدى، ودور الله في تثبيت قلوب المؤمنين على الحق.