تعد رحلة الإسراء والمعراج حدثاً روحانياً وحداثياً هاماً في تاريخ الإسلام، لها دلالات ومعانٍ عظيمة يفوق تعدادها العدد. هذه الرحلة التي شهدتها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أكثر من مجرد حادثة فردية؛ إنها تجسد مراحل مهمة في الرسالة النبوية وتعزز من مكانة النبي كحامل للأمانة الربانية. دعونا نتعمق في أهم الأسباب والدلالات خلف هذا الحدث التاريخي.
في سورة الإسراء الآيات 1-7، يصف القرآن الكريم لحظة الانتقال الغامضة والنقل الفوري للرسول من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف. يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}. هنا تشير الآية إلى أن غاية الإسراء هو عرض معجزات الله وآياته الخالدة أمام نبيه، لتؤكد رسالته وتمنحه الثبات والصبر خلال مراحل الدعوة الصعبة والمليئة بالتحديات. كانت تلك المعاينة ليست مجرد مشهد بصري فحسب، بل كانت أيضاً تدريب روحي عميق لنبيّ ما زالت أمامه سنوات طويلة قبل تحقيق هدف خلافة الحق.
بعد ذلك مباشرة جاءت مرحلة أخرى مثيرة للاهتمام وهي المعراج، التي وصفت تفاصيلها بشكل أقل تحديداً في النصوص الدينية ولكن تميزت بأنها امتداد للإسراء نحو أعلى الدرجات الروحية والعلوية. وهنا يشهد العالمين كتبهما وسماواتهما بإقرار المؤمنون بأنه رب العالمين حقاً. كما أنها فرصة نادرة لناحية رؤية الجنان والنيران وجوانب الحياة الأخرى بما فيها شفاعة صاحبها يوم القيامة لأمته. كل هذا له تأثير عميق على النفس البشرية سواء بالنسبة للمستمع أو المتلقين لموضوع الإخبار فيما بعد.
هذه الرحلتان –الإسراء والمعراج– ليس فقط قصة قصيرة ملؤها الأعاجيب والخوارق، ولكنهما يعكسان أيضاً القوة النفسية والتوجيه العقائدي للحياة الإنسانية برمتها. فهي تسرد كيف يمكن للتدرب النفسي والإرشادات الروحية أن تساعد الأفراد والشعوب عبر الزمن لتحقيق المزيد من التقرب لله عز وجل واتباع نهجه المستقيم. بالإضافة لذلك فإن استحضار ذكرى مثل هذي المشاهد يساعد المؤمن على بناء ثقته بنفسه واحتمالية تحقيقه لإنجازات مماثلة عند العمل وفق تعليماته المنزلية وحماية إيمانه بحفظ الكتاب العزيز. وبذلك فقد توضح لنا هذه التجربة الجانب التدريجي والاحترافي للعناية الإلهية بالنفس المحمدية، وهو الأمر ذاته الذي يستهدف تحسين مصائر بشر لاحقة ضمن عالم الاجتماع العام لكل عصر ومنطقة. إن معرفتنا لهذه المواقف قد تثبت مرة أخرى مدى شمول ودقة الرؤية القرآنيّة تجاه الوظيفة الاجتماعية للنبيه وكيف يُعتبر تسجيل حالتهم الخاص مثال حي ومباشر لمنهج يقوده المولي سبحانه وتعالى ويحفظه جيلاً بعد آخر حتى وقت خروجه للملايين الواحد عشر بالحشر النهائي! وفي النهاية فهو وعد صادق بزيارة الذكرى التالية للبيت الأعلى يليها رضوان رب العباد بدون ارتفاق لعذاب النار ولا مخافة محيط عظيم ألم مكروه غير مقبول. فعلى الإنسان النظر اليوم وإعادة التفكير باستمرار حول كيفية توصيل أفكار مشابهة للساعين إليه طلبا قربانا وفلاحا وانطلاقا لقواسم مشتركة تؤمن الانسان بالمسببات والحكمة الكونية المقدسة لما يحقق صلاح عامة الناس ونفع فضيلة الصحبة الطيبة القربية للشريعة المنزهة عن الخطايا والزلات مهما اعتبرها البعض مجازاة وغرائبية لكنها بالفعل تصبح واقع قابل للاستظهار حين يتم التأمل مليّا بدليل دليل دليل أساسي موجود لدى جميع الأمم أولئك الذين يؤمنون بالقرآن كتاب هدى ليخلف بينكم رسول الله وخاتم لسنة المصطفى سيد الأولين وهو الذي رفع نبينا فوق سماوات الدنيا وثنى خاطره بهاء نوراني وأضاء وجه قلبه بالإخلاص لبدر مشرق فتألقت فيه سمات الأنبياء المجتبين قال عنها جل وعظم "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ" [الدخان : ٣] صدقا واتباعا!