بدأت رحلة جمع وتدوين أحاديث الرسول الكريم منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم, الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لفهم الدين الإسلامي ومعرفة تعاليمه مباشرةً. رغم أهميتها القصوى, لم يكن هناك نظام رسمي لتجميع هذه التعاليم حتى القرن الثاني الهجري تقريبًا.
كانت البداية غير الرسمية بتسجيل بعض الأحاديث بشكل فردي بواسطة أشخاص مثل الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, والذي يعتبر أحد رواة الأحاديث الأكثر ثقة. لكن مع ازدياد عدد الأمة ونشر الإسلام خارج الجزيرة العربية, ظهرت الحاجة الملحة لتنظيم وسيلة أكثر كفاءة لحفظ وصون هذه الروايات الدينية الهامة.
في هذا السياق, برز دور الخلفاء الراشدين والعلمانيين المؤثرين الآخرين في تشجيع تدوين الحديث النبوي الشريف وجعله ذا أولوية عالية. ومن بين هؤلاء الشخصيات البارزة علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما, اللذان شجعا بشدة على الاحتفاظ بالنصوص المقدسة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
مع ذلك, ظل الرأي العام مترددًا فيما يتعلق بمسألة كتابة القرآن والأحاديث، مما أدى إلى ظهور نقاش طويل حول الاقتراحات التي تتضمن وضع حدود واضحة للممارسات المتعلقة بالتدوين. كان هذا النقاش مستنداً إلى الاعتبارات الفقهية والقانونية بالإضافة إلى الجانب الثقافي والمذهبي المحافظ آنذاك والتي كانت تعتبر قراءة المصاحف ومسموعة فقط ولا يمكن نسخها بخط اليد.
ومع مرور الوقت, وجد رجال العلم والدين أنفسهم مضطرين لتحمل مسؤولية حماية تراث النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب وغير المكتوب عبر دراستهم العميقة للأحاديث وبحثهم المستمر عن طرق فعالة للحفاظ عليها. وقد أثمرت جهودهم لاحقًا، فأصبح الإمام البخاري والإمام مسلم وأمثالهما ممن ساهمت أعمالهم الرائدة في إنشاء كتب الحديث المعروفة اليوم، بما فيها "الصحيح"، وهو واحد من أشهر مجموعات السنة المطهرة.
وبهذه الطريقة بدأت عملية تسجيل وتوثيق الحديث النبوي بشكل منهجي ومتكامل بعد فترة طويلة من التركيز على حفظ وتعليم الأقوال والأفعال بأساليب شفهية تقليدية وحفظ القرأن الكريم ذاته. إلا أنه رغم بروز العديد من المؤلفات القيمة, فقد استمرت روح التحفّظ تجاه بداية تبني فكرة الطباعة والاستخدام الرسمي للتدوين للحديث الشريف خلال تلك الفترة الزمنية الأولى من التاريخ الإسلامي.