كان الغساسنة واحدة من أهم وأشهر القبائل العربية التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الجزيرة العربية خلال العصور القديمة المتأخرة. برزوا كقوة سياسية وعسكرية ذات نفوذ كبير، خاصةً في المنطقة المعروفة اليوم بشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام. تنحدر هذه القبيلة من نسل النعمان بن المنذر، أحد أمراء المناذرة الذين حكموا العراق الجنوبي حتى القرن الرابع الميلادي تقريباً.
انتقلت قوة وحكم بني غسان إلى بلاد الشام بعد ذلك الوقت، واستولى أحفاذ النعمان مثل جبلة وجراح على مناطق واسعة فيها تحت حماية الرومان ضد الضغط الفارسي آنذاك. عرف عصرهم بالازدهار الاقتصادي والثقافي؛ حيث ازدهرت المدن والشوارع التجارية بين موانئ البحر الأبيض المتوسط والعراق جنوباً وسوريا شرقا وفلسطين غرباً ومصر شمالاً - مما صنع لهم مكانتهم الإقليمية الرفيعة وتوسيع حدود دولتهم بشكل ملحوظ. وقد حافظ هؤلاء الأمراء الجدد على روابط وثيقة مع البيزنطيين مقابل اعتراف روما بحكمهم المحلي نظراً لطبيعة تحالفات تلك الفترة الاستراتيجية.
بالإضافة للتقدم السياسي، اشتهر الغساسنة بطبيعتها الثقافية والفنية أيضًا؛ فقد اهتموا بالأدب والفنون، كما ظهر شعراء فحول في وقت لاحق ضمن أسرة الحكم منهم امرؤ القيس وابنه عمرو بن هند الشهير باسم "الملك الخنساء". إضافة لذلك، كانت لدينا طائفة مسيحية كبيرة داخل المجتمع الغساني تتبع الكنيسة البيزنطية وتميزهم بزخرفة كنيسة القديس جورج الشهيرة ومعمارها الفريد الذي يجمع بين التأثيرات البيزنطينية واليونانية الشرقية المبكرة.
مع مرور الزمن وانحدار الدولة البيزنطية أمام تهديد الفتوحات الإسلامية المنتشرة منذ القرن السابع، انتهى دور الغساسنة تدريجياً ليحل محلهم العرب المسلمون مجاراة لتغيرات الحقبة الجديدة سياسياً واجتماعياً. إلّا أنه حتى يومنا هذا، تبقى ذكرى إنجازات الغساسنة محفورة بتوهّج عبر الحقب المختلفة والتي تشهد لشعب متماسك قوي لم يستطع الزمن إنكار دوره المؤثر رغم اختلافه الديني والأيديولوجي مقارنة بالحكام المستقبلين للمنطقة الواعدة بتاريخها العريق والمعقد.