إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضَوُّ، المعروف بابن كثير البصري الدمشقي (701 هـ/1300 م - 774 هـ/1373 م) هو أحد أشهر العلماء المسلمين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الفقه الإسلامي والتفسير القرآني. ولد ونشأ في مدينة حماة بسوريا، وتلقّى تعليمه فيها قبل الانتقال إلى دمشق ليتابع دراسته هناك تحت إشراف كبار علماء عصره. يتميز ابن كثير بثروته المعرفية الواسعة واهتمامه الشديد بالدراسات الإسلامية المختلفة مثل الحديث والفقه والتاريخ.

كان أبو عبد الله إسماعيل بن كثير خادماً مخلصاً للإسلام، فقد أمضى حياته متفرغاً للعلم والدعوة إليه. بدأ نشاطه العلمي مبكراً جداً، حيث شرع في تدوين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما زال شاباً. سافر كثيراً بحثاً عن العلم، وزار العديد من البلدان، بما في ذلك مصر والشام والعراق والحجاز، مما أتاح له فرصة التواصل مع مجموعة واسعة ومتنوعة من العلماء والمحدثين.

من أهم أعمال ابن كثير كتاب "البداية والنهاية"، الذي يعتبر مرجعا أساسياً للتاريخ الإسلامي ويضم تفاصيل متنوعة حول الأحداث التاريخية منذ بدء الخليقة حتى يوم وفاته تقريباً. كما ألف شرحاً موجزاً لسورة البقرة يعرف باسم "التفسير الكبير". وفي مجال الحديث النبوي، كتب "التلخيص الحبير" وشرح لأحاديث الأحكام الواردة في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما الكثير. كان لهذه الأعمال دور كبير في ترسيخ مكانة ابن كثير بين علماء الدين الإسلامي وتمكينها من التأثير بشكل عميق على التفكير العقائدي والأخلاقي لدى المسلمين عبر قرون لاحقة.

توفي العالم الجليل سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة للهجرة الموافق عام ثلاثة عشر وثمانين ومائتين بعد الميلاد ودفن بجانب قبر النبي يوسف عليه السلام بمقبرة باب الصغير بمدينة حلب بشمال سوريا. وقد اعتبره بعض المؤرخين واحدًا ممن جمعوا بين علوم دينهم وعلم الدنيا بحكم اطلاعه الموسوعي ولمعرفته المتعمقة بالمختلف المجالات المعرفية آنذاك والتي تنوعت بدءًا بفقه أهل السنة ومروراً بالأخبار والسيرة وانتهاء بالتاريخ والجغرافيا. بذلك حققت مساهمات ابن كثير هدفها الرئيسي المتمثل بتقديس الإيمان وتعزيز فهم التعاليم الإسلامية وسط تراث غني ومعاصر بما يشكل دعائم أساسية لعصر ذهبي للمذهب السني خلال القرن الثامن الهجري.