التقوى هي جوهر الدين الإسلامي وأساس حياة المسلم الصالح. فهي ليست مجرد مجموعة من القواعد والشعائر الخارجية فقط؛ إنما هي حالة روحية عميقة تتجلى في كل نواحي الحياة اليومية للمؤمن. إنها سلوك متكامل يجمع بين الإيمان والقربات والممارسات الحميدة التي تنظم تصرفات الفرد ومعاملاته مع ربه وخالقه ومع نفسه ومن حوله من خلقه.
في رحلة الحياة الدنيا الطويلة والمعقدة، يعد التقوى كنزاً ثميناً وعماداً قوياً يستطيع المؤمن الاعتماد عليه عند مواجهة التحديات والصعاب. فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ خَيْرَ مَا جَمَعْتُمْ عَلَى نَفُوسِكُمْ الْتقَى"، مما يؤكد أهميتها القصوى كمرشد للسعادة والفلاح في الآخرة والحاضر أيضًا.
يتمثل هذا الخيار الأمثل - التقوى - بعدّة مظاهر عملية يمكن تطبيقها يوميًا. أول هذه المظاهر هو اتباع تعليمات الشريعة الإسلامية بكل حرص ودقة، سواء فيما يتعلق بالأفعال الظاهرة مثل أداء العبادات المفروضة كالصلوات والصوم والحج، أو الأخلاق الباطنة المتعلقة بالقلب والعقل والنفس البشرية. ينبغي للأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة أن تشكل أساس العلاقات الاجتماعية والثوابت الأخلاقية لدى الأفراد والمجتمعات، بما يحقق العدالة والمساواة والتسامح والتراحم بين الناس جميعًا.
ثانيًا، تعتبر تقوى النفس أيضًا جزء أساسي ومكملاً لعملية التقوى بشكل عام. إذ يشجع القرآن الكريم المسلمين دائمًا على التحكم بإرادتهم وإبعاد شهواتهم نحو المحرمات والجوانب الضارة الأخرى للحياة. يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالسَّاكِنِينَ وَالسَّاكِنَاتِ وَالتَّقِيِّينَ وَالتَّقِيَّاتِ} [الأحزاب:35]. هنا، يعرض لنا الله صفاته المثالية والتي تجمع بين عدة جوانب منها التقوى والصبر والخوف منه جل وعلا وكل ذلك لتحقيق الجنة وبالتالي سعادتنا الأبدية بإذنه تعالى.
وبذلك فإن بناء مجتمع قائم على أساس التقوى سيولد بالتأكيد مجتمعًا أكثر انسجامًا وسعادة واستقرارًا مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي تخلو من تلك المرتكزات الروحية والأخلاقية الراسخة. وفي النهاية، عندما يصل المرء إلى باب الرحيم الرحيم عند مفارقة الدنيا وزوالها، ستكون الثمرة الوحيدة له هي حسناته وطاعته لله عز وجل أثناء حياته الأرضية، وذلك بحسب الحديث النبوي الشريف: «دخل رجلٌ الجنّةَ بتقواه» كما ورد في صحيح مسلم وغيره من أمهات كتب السنة المطهرة. لذلك دعونا نسعى دوماً لمواظبة درب التقوى لنرتقي بأنفسنا وننعم برضا الرب الواحد الحق - جل ذكره -.