ولد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عام 194 هجرياً (810 ميلادياً) في مدينة بخارى بمملكة سمرقند التي كانت تحت حكم الدولة العباسية آنذاك. يعدّ البخاري أحد أهم الشخصيات العلمية والإسلامية عبر التاريخ بسبب كتاباته الرائدة والموثوقة حول الحديث النبوي الشريف.
تلقى البخاري تعليمه المبكر على يد العديد من كبار علماء عصره، بما في ذلك يحيى القطّان وأحمد بن حنبل. بدأ رحلته للتعليم الطويل منذ سن مبكرة، زار خلالها أكثر من ستمائة مدينة وحضر دروس مئات المشايخ. تركيزّه الرئيسي كان دائمًا على حفظ الأحاديث النبوية وتدوينها.
أحد أشهر إنجازاته هو كتاب "الجامع الصحيح"، والذي يُعتبر أول جامع للأحاديث النبوية وهو المصدر الأكثر موثوقية بعد القرآن الكريم لدى المسلمين السنة. استغرقت عملية جمع هذا الكتاب ثلاثين سنة كاملة، حيث قام بتجميع حوالي خمسة وستين ألف حديث نبوي قبل اختيار ما يقرب الستة آلاف منها كمحتوى نهائي للكتاب بناءً على معايير دقيقة وصارمة للتدقيق والتقييم الموضوعيين.
بالإضافة إلى عمله الكبير في مجال علم الحديث، كتب الإمام البخاري أيضًا عدة مؤلفات أخرى تتعلق بفقه ومجالات معرفية مختلفة مثل الفرائض والقضاء والعقيدة وغيرها الكثير. ومعروف عنه أيضاً أنه تمسك بالعدالة والأمانة حتى آخر أيام حياته، رغم تعرضه لكثيرٍ من المحنة والنقد أثناء فترة نشاطه العلمي المكثفة.
توفي الإمام البخاري في شهر شوال لعام 256 للهجرة (870 للميلاد). ولكن تأثيره واستمرارية أعماله لم تنقطع أبداً؛ فهو رمز للعلم والمعرفة الدينية الإسلامية، وقد أصبح مرجعا اساسيا لكل باحث ومتخصص في علوم الدين الاسلامي. لقد خلف تراثا غزيرا من المعرفة والدقة العلمية التي تحددت بشكل كبير مسار الفقه والشريعة السنية حتى يومنا الحاضر.