بدأت الخلافة العباسية عام 750 ميلادي كخلف للخلافة الأموية، وقد شهدت فترة حكمها التي استمرت لأكثر من خمس قرون نموًّا حضاريًّا وثقافيًّا ملحوظًا. أسس أبو العباس السفاح أول خلفاء العباسيين دولتهم الجديدة بالقرب من مدينة الكوفة بالعراق، وانطلقوا بعد ذلك نحو تعزيز نفوذهم وتوسيع رقعة مملكتهم لتشمل مناطق واسعة تمتد من شرق أوروبا وحتى شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
كان للعصر العباسي تأثير كبيرعلى الحركة العلمية والفكرية، وأصبح بغداد مركزًا هامًّا للمعرفة والثقافة خلال هذه الحقبة الزاهرة. اهتم الخلفاء العباسيون بتشجيع البحث العلمي ودعم المؤسسات التعليمية مثل بيت الحكمة الذي كان بمثابة مكتبة ومعهد بحثي ضخم يضم علماء من مختلف المجالات. ساهم هذا الاهتمام المتزايد بالعلم والمعرفة في ظهور العديد من المؤلفات الهامة التي ترجمت إلى لغات أخرى ومازالت مرجعًا رئيسيًا حتى يومنا هذا.
بالإضافة إلى إسهاماتها الأكاديمية البارزة، اتسم عهد العباسيين أيضًا بالحراك التجاري والتطور العمراني الكبيرين. ظهرت المدن الحديثة ذات الطراز الهندسي الفريد والتي كانت مزينة بالمآثر والقصور الملونة والمزينة بزخارف معقدة. كما برزت مهارات فنية متنوعة تشمل الفن الإسلامي والخط العربي والصناعة النسيجية وغيرها مما يعكس غنى الثقافات المتعايشة تحت مظلة السلطة السياسية الواحدة.
ترك الخلفاء العباسيون بصمات عميقة ليس فقط داخل نطاق حدود مملكتهم بل خارجها أيضا؛ فقد أدخلوا النظام العددي الآسيوي الذي أصبح أساس الأعداد decimal system المستخدم عالمياً حالياً. أما في الجانب الاجتماعي والديني، فقد عمل الخليفة هارون الرشيد وصهرته الخيزرانا وابنه محمد المأمون بشكل خاص على نشر التعايش الديني بين المسلمين والنصارى واليهود ومنحه حقوقاً متساوية للمختلفين دينياً وعقائدهم طالما كانوا موالين لدولة بني عباس.
بشكل عام، تعتبر الخلافة العباسية واحدة من أهم الفترات التاريخية التي تركت أثراً جليلاً في مجالات الطب والعمران وفلسفة الدين والشعر والأدب والعلاقات الدولية أيضًا. إنها حقبة تزخر بالحكايات الرائعة للأحداث والكشوفات المذهلة للأحوال الاجتماعية آنذاك بينما توفر لنا فهماً دقيقاً لكيفية بناء حضارية عظيمة تستند لقيم التفوق العقلي والإنساني المشترك.
