استخلاف أبي بكر: رحلة القيادة والشرعية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت حاجة ملحة لتحديد خلف له يقود الأمة الإسلامية ويستمر في حمل رسالة الإسلام. وتميز أسلوب الاستخلاف عند المسل

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت حاجة ملحة لتحديد خلف له يقود الأمة الإسلامية ويستمر في حمل رسالة الإسلام. وتميز أسلوب الاستخلاف عند المسلمين بأنه عملية ديمقراطية قائمة على الشورى والمشاركة، متحررة من الزعم بالنبوة أو القدسية لدى الحكام. وكان اختيار أبو بكر الصديق أول خليفة راشد بناءً على عدة عوامل واضحة المعالم.

تميز أبو بكر بثبات إيمانه وحسن صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، مما جعله يتمتع بمكانة خاصة لدى المجتمع الإسلامي منذ البدايات الأولى للدين الجديد. كما ذكر الله تعالى اسمه ضمن الآيات التي تؤكد صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ("إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ")، مؤكدًا مكانه العالية بين المؤمنين. بالإضافة إلى ذلك، اختاره النبي نفسه لإمامة الناس في الصلاة عندما مرض مرضه الأخير، ما يشير إلى تقديره وإقراره بشخصيته القيادية.

وفي الاجتماع التاريخي بسقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشره, اجتمع الأنصار لمناقشة مسألة الخلافة. وبينما كانوا يناقشون ترشيحاتهم الداخلية، وصل أبو بكر وعمر بن الخطاب. وبمساهمة مدروسة وفصاحة منطقية, اقنع الاثنان الانصار بحتمية الخلافة في قبيلة قريش طبقاً لما ورد بالسنة المطهرة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد نقاش حيوي وافر الاحترام, اتفق الجميع أنه إذا كان مكان الأمومة والأبوة مهمين جدا, فلابد أيضا مراعاة المكانة الاجتماعية والشرف داخل القبائل العربية المرموقة مثل قريش.

وقد تمت المبايعة الرسمية لأبي بكر بشكل مرحلتان متتاليتان. كانت المرحلة الاولى اقتراحية, فقد تواجد هناك تعداد محدود نسبياً من المواطنين المقيمين بالأراضي المقدسة حينذاك فقط هم الذين شهدوها فعليا. أما المرحلة الثانية فتضمن حضور الجمهور الكبير ومتابعتها عبر كافة المدن الإسلامية آنذاك; فقد حرص زعماء المهجرين والأنصار علي مشاركة تلك اللحظة الهامة والتأكيد على شرعيتها أمام جمهور واسع .

ومن ثم , تأتي تفاصيل فريدة حول طريقة إجراء البيعة نفسها ;حيث قام الرجال بتقديم يد السلام وتعهد الولاء ،بينما أبدت السيدات ولاءهن بإعلان التسليم والإقرار بصراحة وكفاءة مثيرة للإعجاب! وهذا الاختلاف الطفيف يكشف جانبا مهما حول طبيعة العلاقات الاجتماعية المتوازنة والمعبرة عن الحرية الفردية وانتشار روح الإنسانية بلا تمييز.

ومن الجدير بالإشارة إلى نقطة أساسية أخرى وهي عدم وجود رابط وثيق بين الكيفية التي بايع بها الشعب النبي الكريم أثناء حياته وبينهما أثناء الفترة التالية لوفاته . فالفرق واضح ومعروف ؛فالأنظمة السياسية الدينية تحتاج لفروع مختلفة تتعلق بطرق تنفيذ القواعد والقوانين الدينية المختلفة حسب ظروف كل زمان ومكان مختلف :-الدولة الاسلامية المبكرة –دولة "الإمارة" وفق عقائد اهل السنة والجماعة تحديدا -تكمن فرصة اختيار شخص صلاحه واستحقاقه للأداء المستقر للحكم فيما يسمونه بالمظهر"العام "للقيادة الشرعية المثلى للجماعة المسلمة بكل جوانب الحياة وليس مجرد مجرد "النبوة".


الفقيه أبو محمد

17997 بلاگ پوسٹس

تبصرے