الحجر الأسود، وهو أحد أهم وأقدس المعالم في الإسلام، يحمل بين طياته تاريخاً غنياً يعكس تعاقب الأحداث والتقاليد التي مرت بها قبيلة قريش والحجاز منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا. يقع هذا الحجر الكريم البراق اللون في الزاوية الجنوبية الشرقية للكعبة المشرفة بمكة المكرمة، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
يتألف الحجر الأسود من عدة قطع متفرقة ملتحمة مع بعضها البعض، ويبلغ قطر القطع الأكبر حوالي 20 سم تقريبًا، وفقًا لما ذكرته كتب التاريخ الإسلامية والمخطوطات القديمة. وعلى الرغم مما تشير إليه الروايات من أنه مصنوع من الجاذيف - وهي مادة ناعمة كالزجاج حسب وصف علماء الجيولوجيا - إلا أن التحليل العلمي الحديث يشير إلى أنه قد يكون قطعة واحدة من الصخور البركانية السوداء المنصهرة.
وفقاً لروايات المؤرخين المسلمين، فقد سقط الحجر الأسود من الجنة قبل خلق آدم عليه السلام، ثم حمله جبريل عليه السلام إلى النبي إبراهيم وإلى ابنه إسماعيل عليهما السلام، الذين وضعاه كأساس لكعبة الله المعمورة. ومع ذلك، هناك اختلافات حول كيفية انتقاله عبر التاريخ؛ فبعض المصادر التاريخية تذكر أن الملك عبد الملك بن مروان هو أول من جمع شتاته بعد انكساره خلال فتنة حصلت في القرن الثاني الهجري. وفي عام 165 هـ/782 ميلادي، قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بإعادة ترتيب تلك القطع مرة أخرى بحضور لجنة مختارة من أهل مكة.
ومنذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، أصبح الركن الجنوبي الشرقي للحجر الأسود موقعًا رئيسيًا للتقبيل واللمس أثناء الطواف حول الكعبة للمؤمنين، وذلك اقتداءً بهديه الشريف. كما حافظ المسلمون على الاحتفال سنويًا بختمه عند انتهاء أعمال توسعة الحرم المكي الشريف كرمز لاستمرارية العمارة ونشر رسالة الدين الحنيف.
وللحفاظ على سلامة واستدامة هذا التراث العالمي، اتخذت السلطات السعودية العديد من الإجراءات الوقائية والعناية المستمرة بالحجر الأسود باستخدام التقنيات المتطورة تحت إشراف خبراء ومتخصصين حاصلين على شهادات عالمية رائدة في مجال ترميم الآثار والحفاظ عليها. وبذلك يتم ضمان نقل هذه الكنز الثقافي والديني الثمين لأجيال القادمة بصفته جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية وثقافتها الغنية.