غزوة تبوك، التي وقعت في رجب من العام التاسع للهجرة، كانت آخر غزوة قادها النبي محمد ﷺ بنفسه. وقد بلغ عدد جيش المسلمين فيها أكثر من ثلاثين ألف مقاتل، وهو أكبر جيش قاده النبي ﷺ في حياته. هذا العدد الكبير من الجنود يعكس أهمية هذه الغزوة الاستراتيجية، حيث كانت تهدف إلى صد أي هجوم محتمل من الروم في الشمال.
وفقًا للمصادر التاريخية، يذكر ابن إسحاق والواقدي وابن سعد أن عدد جيش تبوك كان ثلاثين ألف مقاتل. بينما يذكر أبو زرعة أن العدد كان سبعين ألفًا، وفي رواية أخرى أربعون ألفًا. ويبدو أن الاختلاف في الأرقام يعود إلى كيفية حساب التابعين والمتبوعين.
كان جيش تبوك معروفًا باسم "جيش العسرة" بسبب الظروف الصعبة التي واجهها المسلمون أثناء تجهيزه. فقد كانت فترة حارقة من العام، وكان الناس مشغولين بجنى الثمار والاستمتاع بالظل الوارف. ومع ذلك، فإن إيمانهم العميق بدينهم وتضحياتهم الكبيرة جعلت من هذا الجيش مثالًا على التضحية والاستعداد للدفاع عن الإسلام.
من الجدير بالذكر أن عثمان بن عفان، أحد كبار الصحابة، لعب دورًا رئيسيًا في تجهيز هذا الجيش، حيث جهز نحو ثلث الجيش من ماله الخاص. هذا التضحية الكبيرة من قبل الصحابة تعكس روح التعاون والتكافل التي كانت سائدة في المجتمع الإسلامي آنذاك.
في ختام هذه الغزوة، لم يقع قتال مع الروم، واختار حكام المدن الصلح على الجزية. مكث الجيش عشرين ليلة في تبوك قبل العودة إلى المدينة المنورة. هذه الغزوة كانت لها أهمية كبيرة في توطيد سلطان الإسلام في شمال الجزيرة العربية ومهدت الطريق لفتوح الشام فيما بعد.