الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
تعد مسألة حكم الصلاة في المساجد المبنية على أرض مغصوبة من المسائل الفقهية المهمة التي تحتاج إلى دراسة متأنية. فإن الأرض إذا كانت ملكًا لرجل يهودي أو على أي دين آخر، فإنها لا يجوز أن تجليه الثورة ولا غيرها عنها. وبالتالي، فإن الأرض المذكورة ليست ملكًا للدولة، وما حصل فيها من العمران إنما هو محض غصب. وغصب الأرض من أشد الأشياء تحريما، فالوعيد فيه شديد لما روى البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين". وفي رواية: "من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة".
وقد نص الفقهاء على أنه يشترط للمسجد أن لا يقام على أرض مغصوبة، وإذا أقيم على أرض مغصوبة حرمت الصلاة فيه. قال الشيرازي في المهذب: "ولا يجوز أن يصلي في أرض مغصوبة، لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة، فلأن يحرم في الصلاة أولى". وقال النووي في شرحه لكلام الشيرازي: "الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع".
وعليه، فالصلاة لا تجوز في المسجد المذكور، لكن جمهور أهل العلم على صحة الصلاة فيه مع الإثم، وخالف الحنابلة فذهبوا إلى بطلانها. والإثم يكون على من اغتصب الأرض، وعلى كل مصل عالم بذلك. ومن هذا تعلم -أيضا- أن مشيع مثل هذا الخبر يعتبر ناهيا عن المنكر، وليس من الذين يصدون عن سبيل الله وعن مساجد الله.
وفيما يتعلق بأراضي الدول المحتلة، فإن الأمر يختلف قليلاً. إذا احتل الكفار بلاد المسلمين فما كان منها من الأماكن العامة ونحوها مما هي ليست ملكا لمسلم بعينه، فإنه لا يقال بعدم جواز الصلاة فيها بحجة أنها مغصوبة، لأن تلك الأماكن ملك لجميع المسلمين واحتلال الكفار لها لا يغير من ملكيتها شيئا فتجوز للمسلمين الصلاة فيها، لأنها ملك لهم. أما ما كان من تلك الأرض التي احتلها الكفار ملكا لمسلم معين كالدور ونحوها، فإن الغالب أن لا يُعلم عينُه الآن لتغير معالم البلاد، فلا يُدرى مع طول الزمن هل كان هذا المكان ملكا لمسلم بعينه أم لا، والأصل صحة الصلاة. ولو فُرض أن مكانا معينا علم أنه مغصوب من مسلم بعينه، فالذي يظهر أنه يجري فيه خلاف الفقهاء في الأرض المغصوبة، لأنه إذا منعت الصلاة فيه إذا غصبه منه مسلم فمن باب أولى لو غصبه منه كافر. والله أعلم.
والله أعلم بالصواب.