- صاحب المنشور: عبدالناصر البصري

ملخص النقاش:
في عالم يتسم بسرعة وتيرة الحياة الحديثة ومتطلبات المهنة المتزايدة، أصبح التوازن بين العمل والحياة مسألة حيوية للرفاهية العامة. هذا الموضوع الجوهري يدور حول كيفية إدارة الأنشطة اليومية بطريقة تعزز الصحّة العقلية والطاقة الإيجابية، مع الحفاظ أيضًا على العلاقات الاجتماعية والثقافية المهمة. يمكننا النظر إلى هذه القضية تحت عدسات مختلفة؛ فمن الناحية الصحية النفسية، قد يؤدي عدم التوازن بين العمل والحياة إلى مشكلات مثل الضغط النفسي المستمر والإرهاق العقلي، مما يهدد الاستقرار الداخلي للأفراد ويؤثر سلبًا على نوعية حياتهم. بالإضافة لذلك، فإن الافتقار للتوازن قد يقوض علاقات الشخص مع الآخرين بسبب نقص الوقت الكافي لقضاء جودة مع الأحباب والأصدقاء وأعضاء المجتمع المحلي. ### التأثيرات الصحية والنفسية لعدم توازن العمل والحياة: يتجلى تأثير عدم التوازن بشكل بارز في تزايد حالات اضطراب القلق والاكتئاب في المجتمع الحديث. وفقاً لدراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية عام 2019، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب بنسبة 37% منذ عام 2005، وهو اتجاه يُعتبر مرتبطاً ارتباط وثيق بعدم القدرة على تحقيق توازن صحي بين جوانب الحياة المختلفة. عندما ينغمس الأفراد في عملهم لأوقات طوال بلا انقطاع، فإن ذلك غالباً ما يجردهم مما يسمى "الاستراحة"، وهي فترة زمنية ضرورية لإعادة شحن البطاريات الذهنية والجسدية وإطلاق هرمونات السعادة الطبيعية التي تحافظ على الحالة المعنوية المرتفعة. بدون فترات استرخاء كافية بعيدا عن ضغوط العمل، تصبح أعراض القلق واضحة أكثر شيوعاً لدى هؤلاء الأفراد، سواء كانت تلك الأعراض تتمثل في زيادة ضربات القلب أو الشعور بالتوتر الدائم أو حتى الهجمات المفاجئة لفقدان التركيز والمعرفة الذاتية ("تشوش الذهن"). كما تشير العديد من الدراسات العلمية الأخرى إلى وجود علاقة قوية بين ساعات عمل طويلة وعدم الحصول على وقت كافٍ للاسترخاء وبين زيادة مخاطر الأمراض القلبية والسكتات الدماغية وأنواع أخرى من المشاكل الطبية الخطرة المحتملة. إذ يعمل الجسم أثناء periods of prolonged stress بإفراط لتلبية طلباته المتزايدة - الأمر الذي يحمل معه خطر حدوث خلل هرموني ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية والكوليسترول LDL ('الكولسترول السيء'). ومن ثم، يمكن اعتبار سوء تنظيم جدول الأعمال الشخصي عامل مهم يساهم في ظهور أمراض مزمنة ليس لها سبب ظاهر ظاهرياً! ### العوائق أمام بناء نظام حياة متساوي الفرصة: إحدى أهم العراقيل التي تواجه محاولة خلق نمط حياة متوازِن تكمن في طبيعة الثقافة المؤسسية والقيم الأساسية للمجتمع. لقد تطورت توقعات ربات البيوت بشكل كبير خلال القرن الماضي ليصبح دور المرأة الآن جزء أساسيا من القطاع العام وعالم الشركات؛ لكن عبئ المسؤوليات المنزلية لم يخمد تمامًا بل إنّه ازداد وطأة نتيجة التحولات الاقتصادية الجديدة والتي تتضمن مشاركة أكبر للشريك الزوجاني ضمن المهام الداخلية للعائلة. وهكذا تقع معظم النساء فريسة لعلاقة غير صحّية حيث يتمتع الرجل بمزيد من الحرّيات بينما تبقى عليها مسؤوليتها تجاه اتمام واجبات البيت ورعاية الأولاد فضلاً عن أدائهما الوظيفي أيضا! وهذا الوضع المرير يدفع الكثير منهم نحو حالة مستمرة من الإجهاد البدني والفكري مما يعني تأخير الوصول لنقاط الراحة والاستمتاع بالحياة كما ترغب بذلك أي شخص آخر خارج نطاق اطاره الخاص بها فقط! وفي بعض الدول العربية ذات النظام الاجتماعي التقليدي نسبياً، تخضع السيدات أيضاً لمنطق اجتماعي يعطي الأولويت لكل شيء قبل حقوقهن الخاصة بهم وكأن الحياة نفسها هي خدمة مقدمه لهم خصيصاً! ولذلك فان التعامل بحكمة مع كل جانب من جوانب الحياة بات مطلب ملح للغاية إذا أخذنا بالإعتبار جميع المقاييس فهو أمر جدير بالقيمة وليس مجرد امتياز خاص بفئة واحدة فوق الأخريات. وبالنظر للقضايا المذكورة آنفا ، يستوجب طرح تسأل هامة : ما هو الحل ؟ كيف يمكن للمسلمين تحديث مؤسساتهم والشركة وفق منظور حديث دون المساس بالقِيَم