أم كلثوم بنت علي، الشخصية التي تشع بالهدوء والقوة والحكمة، هي إحدى بنات النبي محمد صلى الله عليه وسلم من زوجته الثالثة فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-. كانت مولودة عام 5 هـ لتكون جزءاً أساسياً من التاريخ الإسلامي المبكر. سميت "كلثوم" نسبة إلى جدتها لأبيها كلثوم بنت عقيل.
نشأت في كنف آل بيت النبوة، تعيش برفقة والدها الإمام علي رضي الله عنه ووالدتها الفاضلة سيدتنا فاطمة. تربت بين أحضان العلم والدين والأخلاق العالية. لم يكن عمرها الطويل إلا انعكاساً لإسهاماتها القيمة وأثرها الواضح حتى بعد رحيلها الشريف.
كان لحياتها قصة صبر وفداء فريدة؛ فقد تزوجت مرتين ولكن القدر كتب لها المصيبة برحيل الزوجين مبكراً. أول زواج كان من عتبة بن أبي لهب الجاهلي ثم تحول الديني بعد إسلامه، لكنه فارق الحياة قبل اكتمال السرور بزواجهما. ثانياً、زوجها الثاني معاوية بن أبي سفيان الذي توفي أيضاً تاركاً خلفهما حياة مليئة بالألم والمعاناة. ورغم هذه المحن، ظلت ثابتة بإيمانها وصبرِها وتقربُها لله عز وجل.
وفي الجانب الروحي والعاطفي، تعتبر أم كلثوم رمزٌ للتفاني الأسري والإيثار الحقيقي. عندما مرض أخوها حسن رضي الله عنه، عرضت نفسها للتضحية بذهاب حياتها لإنقاذ حياته، مستعدة لتحمل قسط المرض نيابة عنه. إن هذا العمل يدل على عمق التعاطف والتضحية لدى النساء المؤمنات في تلك الفترة العصيبة.
توفيت أم كلثوم سنة 62 هجرية عن عمر يناهز 49 عاما فقط، ودُفنت بجوار أسرتها بالقرب من مسجد الكوفة بالعراق حاليا. تركت بصمة واضحة عبر تاريخ المسلمين كمصدر إلهام للإخلاص والاستقامة والمثابرة أمام الظروف الصعبة. إنها ذكرى خالدة لمن حققت أعلى درجات التقوى والصلاح وسط محيط شديد التعقيد والاختبارات المعقدة خلال فترة الخلافة الراشدة الأولى.
