ولد الإمام محمد بن عيسى بن سورة التيمي البخاري - المعروف بالإمام الترمذي - عام 209 هجريًا الموافق لعام 824 ميلادي تقريبًا، في مدينة ترمذ الواقعة شرق بخارى حالياً بإقليم تركمانستان. نشأ ونشط في القرن الثالث الهجري خلال فترة ازدهار العلوم الإسلامية والعربية. اشتهر الإمام الترمذي باحترافه وعنايته الشديدة بالحديث النبوي، مما جعله أحد أهم رواة الحديث وأشهرهم بعد بعد الأئمة الستة الذين أجمع علماء الإسلام عليهم.
بدأ رحلته العلمية باكراً جداً، حيث حفظ القرآن الكريم وهو صغير السن ثم انكب على دراسة علوم الدين المختلفة مثل تفسير القرآن والفقه والأصوليين وغيرها الكثير. كانت له شهرة واسعة بين أهل عصره من حيث حفظه وتبحره الزائدين في علم الحديث حتى أنه كان يلقب بالحافظ والمحدث. لم تشغل نفسه الأدبية فقط بل اهتم أيضاً بالتوجهات الدينية العامة والتطبيقات العملية للشريعة الإسلامية.
ومن أشهر مؤلفاته كتاب "جامع الترمذي"، وهو موسوعة ضخمة تضم أكثر من خمسة آلاف حديث شريف مرتبة حسب الموضوعات المتصلة بالأحكام الشرعية والحلال والحرام والمعاملات وغيرها. كما ألف كتباً أخرى عديدة منها كتاب "الأدب"، والذي يعد مصدر غني للأحاديث التي تحتوي على تعليمات أخلاقية ودينية مهمة للمسلمين.
بالإضافة إلى دوره الرائد كباحث ومؤرخ للحديث, فقد لعب الإمام الترمذي دوراً فعالاً في نشر التعليم وتأسيس المدارس الدينية وكان مرجعا رئيسيا لأجيال لاحقة من العلماء والفقهاء. توفي سنة 279 هجرية وخلف تراثا هائلا أثّر بشكل كبير ليس فقط في مجال الدراسات الإسلامية ولكن أيضا في الثقافة والأدب العام خلال تلك الفترة. إن حياة الإمام الترمذي هي مثال ملهم للإخلاص الأكاديمي والديني وكيف يمكن للعلم الجاد والثابت أن يؤثر بشكل عميق عبر التاريخ.