الرحمة طريق إلى الرحمة الإلهية ومنارة الألفة الإنسانية: تأملات في خطبة 'من لا يرحم لا يُرحم'

في محاضرة رصينة تؤكد أهمية الأخلاق والقيم المجتمعية العليا، تناول الخطيب موضوع "من لا يرحم لا يُرحم"، مستنداً بشكل أساسي إلى النصوص القرآنية والأحاديث

في محاضرة رصينة تؤكد أهمية الأخلاق والقيم المجتمعية العليا، تناول الخطيب موضوع "من لا يرحم لا يُرحم"، مستنداً بشكل أساسي إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الرحمة وتؤكد عاقبتها الحسنة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَلَا تُبْذِرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبْذِرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:26]. هذا البيان القرآني يعكس العلاقة الوثيقة بين البخل وبين الشيطان، مما يدل على مدى ضرورة وفضيلة الإنفاق والكرم. كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه القيمة حين قال: «إنما الأعمال بالنيات». وهذه الجملة هي مفتاح الفهم الصحيح لأعمال الإنسان، فما دام العمل خالصا لله ومتوافق مع شريعته فهو مقبول ومبارك.

وتناول الخطيب أيضًا حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يؤكد على ارتباط الرحمة بالرحمة الإلهية. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (رواه البخاري). هنا يوضح الحديث أن تحقيق إيمان كامل يستوجب حب النبي أكثر من كل الأحباب الآخرين بما يشمل الذات والعائلة والجماعة البشرية بشكل عام. وهذا الحب يحتاج إلى روح رحيمة قادرة على فهم رسالة الإسلام والتزام تعاليمه وتطبيقها عملياً في الحياة اليومية.

بالإضافة لذلك، ذكرت الدراسات الاجتماعية الحديثة كيف أثرت قلة الرحمة والحنان بين الأفراد في مجتمع ما على مستوى العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية العامة للأعضاء فيه. فالرحمة ليست مجرد فضيلة أخلاقية بل هي حاجة نفسية واجتماعية أيضا. عندما نعتني برعاية المحرومين والمحتاجين ونمد لهم يد المساعدة فإننا نعزز الروابط الإنسانية ونزرع الثقة والاحترام المتبادل داخل المجتمع. إنها عملية تبادل طيبة تتضمن المنعم والمعطي وكذلك المستقبل للمساعدة؛ فهي تقدم الخير للطرفين وليست منحازة لطرف واحد فقط.

ختاماً، يمكن اعتبار الرحمة ميزة فريدة للإنسان والتي تميزه عن باقي مخلوقات الأرض الأخرى وفقا لتعليمات الدين الإسلامي. تعمل الرحمة كمفتاح يفك القوى الخبيثة ويحرر النفوس من الظلام نحو نور الحق والخير. إن احترام وكرامة كل فرد يكمن أساسا ضمن نهج حياة قائم على الرعاية والإحسان تجاه بعضنا البعض بغض النظر عن الاختلافات الدينية والثقافية والفردية. إنه أمر غير قابل للتجزئة ولا يمكن اقتطاع جانب منه بينما يتم تجاوزه فيما يخص الجانب الآخر من التعامل مع البشر جميعا - وهو حق كافٍ لمنح الجميع فرصة للعيش بكرامة وحياة كريمة بإذن الله عز وجل.


الفقيه أبو محمد

17997 مدونة المشاركات

التعليقات