ولد الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني عام 164 هـ/780 م في مدينة بغداد، وهو ينتمي إلى قبيلة شيبان العربية الشهيرة. نشأ في أسرة متدينة، وقد فقد والده باكراً، مما جعل والدته تقوم برعايته وتعليمه. بدأ تعلمه مبكراً، فحفظه للقرآن الكريم عندما كان طفلاً، ثم شرع في دراسة الحديث والفقه تحت إشراف العديد من علماء عصره.
كانت رحلاته العلمية واسعة، إذ زار خلالها مختلف البلدان الإسلامية مثل الشام وسواحل البحر المتوسط والمغرب العربي ومكة المكرمة والمدينة المنورة والحجاز واليمن والعراق وفارس وخراسان. كما التقى بالإمام الشافعي خلال هذه الرحلات.
امتاز الإمام أحمد بن حنبل بمؤلفاته القيمة والتي تعد مصدراً مهماً لفقهه الخاص والمعروف بالمذهب الحنبلي. من أهم كتبه "مسنده"، والذي يعد واحداً من أشهر كتب السنة المطهرة ويتضمن حوالي أربعين ألف حديث نبوي. بالإضافة إلى ذلك، ألف مجموعة متنوعة من المؤلفات الأخرى مثل "الأشربة" و"الزهد" و"فضائل الصحابة" وغيرها الكثير.
يتميز منهجه العلمي بأنه معتمد بشكل كبير على الرواية والتحديث، فهو لم يكن عالم فقه فقط بل محدث أيضاً. لقد حرص دائماً على عدم الفتوى إلا إذا وجدت فتوى مشابهة سابقاً بواسطة الصحابة أو التابعين أو غيرهم ممن سبقوه. وبينما كان غيوراً جداً عند التعامل مع مسائل العبادة، اتسمت أقواله حول المعاملات بالتيسير والمرونة بما يتماشى مع روح الشريعة.
توفي الإمام أحمد بن حنبل في بغداد عام 241 هـ/855 م عن عمر يناهز 77 عاماً بعد مرض عضال استمر لفترة طويلة. اجتمع الآلاف لدفن جثمانه الكبير، وكانت مراسم دفنه حدثاً تاريخياً بارزاً يعكس مكانته الرفيعة لدى المسلمين آنذاك وفي التاريخ الإسلامي لاحقاً.
