تحريم الأغاني هو قضية مهمة تتطلب التوثيق الدقيق للأسس القانونية والثقافية الإسلامية. يشكل هذا التحريم جانبًا حيويًا من الدين الإسلامي، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيم الأخلاقية والحفاظ على نقاء المجتمع المسلم. سنستعرض هنا بإيجاز أهم الأسباب لاستثناء الغناء والمعازف (الموسيقى) وفقًا للتوجيهات الإسلامية.
يركز أساس تحريم الغناء في المسيحية بشكل أساسي على الآثار الاجتماعية والنفسية الضارة المرتبطة بهذه الممارسة. يُعتبر الغناء بمثابة مصدر رئيسي لتشتيت الانتباه عن عبادة الله والإلهاء عن ذكر الله عز وجل. عندما يغرق الإنسان في عالم المغني واللحن، قد ينسى واجباته الدينية ويتجاهل تعاليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا يعد خروجاً واضحاً عن الطريق المستقيم الذي أمر الله باتباعه.
علاوة على ذلك، فإن طبيعة بعض أنواع الأغاني ومعازفها يمكن أن تشعل شهوات النفس البشرية وتعزز الرغبات المادية غير الصحية. هذه التأثيرات تشجع الأفراد على الانخراط في أعمال خاطئة مثل الزنى والفجور، مما يتعارض مع أخلاقيات الدين الإسلامي. بالإضافة لذلك، هناك مخاطر محتملة للنفاق بسبب هذا النوع من الترفيه؛ فقد يعيش الشخص حياة خارجية تبدو مطيعة لكن داخليا مليئة بعدم الرضا والعكس صحيح أيضا، فهو بذلك يكذب على نفسه وعلى مجتمعه. يؤكد هذا الوضع عدم توازن الشخصية المتحررة للغناء والتي عادة ما تكون متناقضة بطبيعتها.
إذا انتقلنا إلى الأدلة النصوصية المقدمة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، نواجه العديد من المواضع التي تؤيد وتحظر استعمال الموسيقى وغيرها من أشكال الترفيه المحظورة. يقول سبحانه وتعالى "{ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين}" [لقمان :6]. شرح العلماء القدامى لهذه الآية لتدل على نوع خاص منه وهي "الغناء". كما أكّد مجموعة أخرى من التابعين أمثال مجاهد وعكرمة وابن جريج وآخرون بأن هذه الآية تحديداً تصف حالة الغناء بالموسيقى.
وفي مثال آخر من السنة النبوية، وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مستقبل المسلمين بأنه سيوجد منهم رجال يسمحون لنفسهم بمزاولة الأعمال المثيرة كالاستمتاع بالحلال المحرّم والمجون وما شابههما. وحذر أيضاً من مصير هؤلاء الذين بدلاً من الاستقامة واتِّباع الحق، سوف يدخلون الجحيم ولا رحمة بهم حتى يوم القيامة.
بالنظر إلى رأي علماء الفقه عبر التاريخ، لم يكن هناك خلاف كبير حول مشروعية حكم تحريم الموسيقى وغناء النساء بأنفهِنّ خاصة أمام الرجال الأجانب. لقد اتفق جمهور الفقهاء الثلاثة - أبو حنيفة، ومالك، والشافعي - وكذلك أحمد بن حنبل - مع الاتفاق العام للإمام مسلم بشأن اعتبار الأغاني إحدى الكبائر الواجب تركها فور اكتشافها لدى المرئيين لها. بل ذهب البعض لإصدار فتاوى بتحقير مرتكبي هذه الأمور واستبعاد دعائهم لأن تقربهم لله كانت مجرد خدعة وانخداعات داخلية فقط!
بهذا الجمع بين المنطق العقلي والقانون الروحي، أصبح التحريم الشرعي للأغاني أكثر وضوحا ودقة. فالهدف ليس فقط منع صوت جميل ولكنه موقف ضد مشاعر خاطفة ونوايا ضالة تضر بالعلاقة الروحية بين المكلف والخالق جل وعلا وبين أفراد المجتمع فيما بينهم كذلك.