الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن تغيير كسوة الكعبة، والذي عبر عنه البعض برفع الستار عنها، هو أمر قديم معروف منذ الجاهلية واستمر في الإسلام. وقد ذكر البخاري في صحيحه في باب كسوة الكعبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه همَّ أن يقسم مال الكعبة بين المسلمين، لكنه تراجع عندما علم أن صاحبيه لم يفعلا ذلك، قائلاً: "هما المرءان بهما أقتدي". ونقل الحافظ في الفتح إجماع المسلمين على جواز ستر الكعبة بالديباج.
وتدل الآثار التاريخية على أن كسوة الكعبة كانت معروفة بين السلف، بل كانت مما يحرصون عليه. فمن هذه الآثار ما أخرجه الفاكهي من طريق ابن خيثم، حيث رأى شيبة بن عثمان يقسم ما سقط من كسوة الكعبة على المساكين. كما أخرج الفاكهي من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيقسمها على الحاج.
وتاريخياً، كُسيت الكعبة في الجاهلية الأنطاع، ثم كساه رسول الله ﷺ الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج. وفي عام الفتح، كساها المسلمون بعد أن احترقت ثيابها بسبب امرأة كانت تجمر الكعبة.
وحكمة كسوة الكعبة هي تعظيم شعائر الله، كما قال تعالى: "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه" (الحج: 32). وفي ضمن ذلك إرهاب للأعداء وإظهار لعز الإسلام وأهله. ومع ذلك، فإن الكعبة جماد لا تُحرم ولا تؤدي نسكاً، وإنما يكسوها المسلمون تعبداً لله وشكراً له على منته أن جعلها قبلةً يستقبلونها.
وفي موسم الحج، يتم رفع كساء الكعبة المبطن بالقماش الأبيض لكي لا يقوم بعض الحجاج والمعتمرين بقطع الثوب بالأمواس والمقصات للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة أو الذكرى أو نحو ذلك. والله أعلم.