في الضوء الأعظم من دين الرحمة والخير, يأخذنا المسار الجميل لتوجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة عبر درب الحث على طلب العلم. فالعلوم ليست مجرد قوى معرفية مكتسبة بل هي نور يقود إلى سبيل الهداية والرشاد. تبدأ دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأولى والأبرز بنطق الأمر الجامع للقراءة والتعلم: "اقرأ باسم ربك الذي خلق*" ثم يؤكد القرآن مكانة القراءة والكتابة باعتبارهما أساس بناء حضارتنا وثروتنا المعرفية.
إن التمييز الدقيق للأحكام الشرعية حول طلب العلم يكشف مستوى أهميته الاستراتيجية داخل المجتمع المسلم. يمكن تقسيم تلك الأحكام إلى فرعين رئيسيين: علوم الدنيا اللازمة للحياة العملية والتي تعتبر واجبة على البعض (فرض الكفاية), مثل الطب والكيمياء وهندسة المواد... إلخ, مما يعني أنه عند القيام بهذا النوع من العلوم من قبل مجموعة معينة تخف وطأة المسؤولية عنه بالنسبة لبقيتهم. أما الجانب الآخر فهو متعلق بالعلم التعبدي المقسم لنفسيه: علوم الاعتقاد الأصلية المشتركة كالتوحيد والإيمان، وهي فريضة على الجميع (فرض عين) لأنه بدون فهم صحيح لهذه المفاهيم الأساسية قد تحدث اختلال كبير في أدائنا للعبادات اليومية وتمسكنا بديننا. أيضًا هناك مسائل الأحكام الجزئية المرتبطة بفروع الدين كالفقه الحديث والتفسير والفرائض -أو المواريث-, والتي تعد أيضاً ضمن واجبات محدود دائرة العمل فيها ولكن ضرورية بشكل عام للدولة والعامه.
هذه التقسيمات تؤكد رسالة واضحة بأن علم هو جزء متكامل وداعم لكل جوانب حياتنا بما يشمل الروحية والجسدية والاجتماعية. وبالتالي فإن تشجيع طلب العلم ليس فقط عملاً مستمداً من إيمان شخصي بقدرته الذاتية للتغير وتحسين المجتمع ولكنه أيضا عمل مقدس يحقق تنمية شخصية شاملة تحقق صلاح المرء وصلاح مجتمعه الأكبر. كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً"، وفيه وعد بصنع طرق الوصول للجنان خلال زيارات الأرض بحثاً عن الرؤى الإنسانية الجديدة ومعاني جديده للإنسانية.
وفي النهاية يجدر بنا التأكيد على خطورة وشدة تحذيرات القرآن بشأن عدم تساوينا كمجموعة بشرية وذلك بسبب فارق التعليم والمعرفة إذ يقول عز وجل:" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون?". إنها دعوات للاستعداد لمسيرة طويلة نحو نهوض وإعادة اكتشاف الذات بالإضافة لإحداث تأثير إيجابي ملموس على العالم الخارجي بطريقة تكامل العقل والقلب تحت ظل تعاليم الإسلام المباركة.