في يوم الجمعة المبارك، الموافق السابع والعشرين من شهر صفر في السنة الرابعة عشرة للبعثة، شرعت رحلة بقيت محفورة في ذاكرة البشرية جمعاء - هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. لقد كانت تلك الخطوة الجريئة بادرةً من العزم والإصرار لدفع رسالة السلام والرحمة إلى العالم أجمع.
كان الأسلوب الدبلوماسي الذي اتبعه النبي الكريم لمواجهة التنكيل المتزايد ضد المؤمنين قد وصل إلى نهاية مسدود. فقد أصبحت قبيلته الحميمة، قريش، عدوًا شرسًا للإسلام والمؤمنين الولائيين الذين اختاروه قائدًا لهم. ورغم كل المحاولات السلمية لحماية عباده، وجد رسول الله نفسه مضطرًا لاتخاذ قرار جريئ يفرق بين الحق والباطل.
وقد تميزت الهجرة بالنطاق الواسع لإعداداتها والتخطيط لها بدقة، مما شكل رمزًا حيويًا لقوة الروح الإنسانية حين تُطرد نحو الأهداف المشرفة والأهداف الطموحة رغم الظروف المضطربة. برمزية عميقة، غادر سيد البشرية وأخيرًا أرض الوطن العزيز باتجاه وجهة جديدة غير معروفة وغير متوقعة لتأسيس حضارة جديدة مبنية على أساسيات التعايش بالعدل والإنصاف.
ومن الجدير بالملاحظة أيضًا دور الصحابي الجليل، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كرفيق روح وصاحب خطوات خلال مغامرة حياة رسول الإسلام الحافلة بالإثارة والصمود أمام تحديات الحياة البرية الوعرة. ومن خلال ذلك التصميم اللامحدود، تجاوز الثنائي العقبات المختلفة ليصل سالمًا وآمنًا إلى المدينة المنورة وسط استقبال دافئ وداعم من سكانها الأفاضل الذين قبلوا دعوة نبي الله بكامل قلوبهم وثابرتهم.
وتمثل أهمية الهجرة النبوية في أنها أسست لانطلاق حركة اجتماعية ووطنية شاملة تدعم نشر التعليم المستنير وتعزيز العدالة الاجتماعية ومبادرات النهضة الاقتصادية بشكل شامل والتي أثرت فيما بعد المجتمع المدني بطرق واسعة ومتنوعة داخل حدود المملكة العربية السعودية وخارجها أيضا. كما تمثل الهجرة أيضًا بداية عقد سلام دائم بين جميع الفرقاء المحليين مما أدى إلى ميلاد مجتمع مسلم موحد يمكن تقديره بحقيقة وجود شعور أخوي صادق بين مجموعتي المهاجرين والأنصار بمختلف خلفياتهم الثقافية والفكرية الغنية.
وفي الوقت نفسه، فإن نتائج هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم جسّدتها مجموعة ملحوظة تتضمن إنشاء أول مجتمع يعبد الله بحرية مطلقة بدون خوف من تهديد الخارج أو داخليا كذلك؛ وإنقاذه شخصياً ومعاونيه المقربين والحفاظ عليهم ضد حملات الانتقام الوحشية التي قادتها قريش ذات نفوذ كبيرة; إضافة لإرساء رابط ارتباط روحي أقوى عبر بناء روابط مشتركة مشتعلة بين الأشخاص المختلفين ثقافيًا وإيجاد قاعدة ثابتة لتحقيق الوحدة الوطنية المبنية على الدين الواحد هدف الجميع الأكبر – جميع هذه النقاط تعد مؤشرات واضحة لما حققته هجرة النبي العظيم بالفعل بالنسبة للعالم العربي والإسلامي حتى اليوم!