نزلت سورة الجن مكية، وتعد من السور المكية التي نزلت قبل الهجرة إلى المدينة المنورة. سميت سورة الجن بهذا الاسم لأنها تتحدث عن قصة إيمان الجن بالقرآن الكريم، وتفصّل بعض الأحداث التي وقعت بعد البعثة النبوية. وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه تحت عنوان "سورة قل أوحي إلي" لما افتتحت به السورة.
أما سبب نزول هذه السورة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما قصة عن ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: "انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قال ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء، قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا".
وفي هذه القصة، نرى كيف أن الجن استمعوا للقرآن الكريم عندما تلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به وصدّقوا به. وقد أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن الجن قد استمعوا للقرآن، وأنهم آمنوا به. وهذه القصة تؤكد صدق نزول القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى، وتبطل مزاعم المشركين فيهم.
ومن خلال هذه القصة، نرى أيضًا كيف أن القرآن الكريم له تأثير عميق على من يستمع إليه بقلب سليم. فالجماعة من الجن الذين استمعوا للقرآن آمنوا به فورًا، وتركوا شركهم وكفرهم. كما نرى أيضًا أن الاستغاثة بالجن من الشرك بالله، وأن من يستغيث بهم يعاقب بضد مقصوده في الدنيا.
وفي نهاية المطاف، نجد أن سورة الجن تؤكد على أن القرآن الكريم هو الهداية للتي هي أقوم، وأن من يؤمن به لا يخاف نقصًا لحسناته ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.