يعد الترتيب الحالي لسور القرآن الكريم تحفة فنية من الإبداع الرباني, وهو أمر يثير الدهشة والاستغراب عند دراسته. هذا الترتيب لم يكن عشوائيًا ولكن كان مدروسًا بدقة وفق خطة مرسومة. يُرجى العلم بأنني سأقدم لك نظرة شاملة حول كيفية تنظيم هذه الجواهر الروحية بشكلها النهائي اليوم.
بدأ الأمر مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما بدأ الوحي ينزل إليه بواسطة جبريل عليه السلام. كانت الآيات الأولى تنزل بشكل فردي ثم تشكل فيما بعد إلى سورة كاملة. ومع مرور الوقت، تطورت عملية النزول لتشمل نزول سور متعددة دفعة واحدة خلال أحداث تاريخية مهمة مثل هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة وحصار الشهور الستة ضد قريش.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء دور الخلفاء الراشدين لإكمال تنظيم القرآن وتجميعه في مصحف واحد. قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه بتشكيل لجنة لجمع القرآن تحت إشراف الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري. عملت اللجنة بكل دقة وأمانة، مستمدة تفاصيل الترتيب من حفظه لهاذه النصوص المقدسة.
ثم اتبع عثمان بن عفان الخطى نفسها، لكنه قرر إعادة تدوين نسخة نهائية مطابقة للأصل العربي الفصحى لمنع الاختلافات المحلية التي قد تحدث بسبب اختلاف لهجات القراء والمصحفين. وهكذا أصبح ما يعرف بمصحف عثمان مرجعاً أساسياً للقرآن كما نعرفه اليوم.
هذا الترتيب ليس فقط انتظاما منطقيا بين السور المختلفة ولكنه أيضا يعكس عمقا روحانيا ودلالات إيمانية فريدة لكل جزء منه. فهو بداية بسورة الفاتحة وانتهاء بالسورة الأخيرة وهي الناس، يشير عبر رحلته عبر القصص والأمثال والحكم إلى الرحلة الروحية للإنسانية نحو التقرب لله عز وجل وفهمه لأصول العقيدة والإرشادات العملية للحياة المثلى المؤمنة. وهذا دليل آخر على عبقرية ونبوءة ووحى الإسلام.