بعد وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، زوجته الأولى، تزوج النبي محمد صلى الله عليه وسلم بثلاث نساء أخريات قبل زواجه باثنتي عشرة سنة من عائشة بنت أبي بكر الصديق. وُلدت عائشة عام 614 ميلاديًّا وكانت أصغر الزوجات سنًا وقت الزواج منها. استمرت هذه الرابطة المقدسة لمدة تزيد قليلاً عن عشر سنوات حتى وفاته صلى الله عليه وسلم عام 632 م. خلال تلك الفترة القصيرة لكن الغنية بالأحداث، كانت للمرأة الفاضلة دور بارز في نشر الإسلام وتلقينا للعلم مباشرة من منبعه النقي.
كانت عائشة ذات علم غزير ومعرفة واسعة فقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي حديث شريف بحسب بعض الروايات التاريخية، مما يجعلها الأكثر رواية لحديث النبي بعد أبو هريرة رضوان الله عليهم جميعاً. اشتهرت بفصاحتها وحفظها الدقيق للقرآن الكريم وللأحاديث النبوية الشريفة التي نقلتها بشكل دقيق ودقيق جداً. كما برزت كعالِمة مؤثرة وكان لها تأثير كبير خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة والأسرة والأخلاق العامة داخل المجتمع المسلم الناشئ آنذاك.
بالإضافة إلى مساهماتها العلمية والدينية الجليلة، كانت حياة عائشة الشخصية مثالا للتواضع والكرامة والإحسان. لقد تعاملت بكل احترام ولم تشعر قط بأن مكانها المتفرد جعلها تتكبر على الآخرين بل بالعكس تماماً؛ فضلت الحياة البسيطة وأبت إلا أن تحافظ على تواضعها المعتاد حتى عندما انتقلت للسكن في بيت الملك بعد انتقال السلطة للإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
بذلك يمكن القول إن فترة العشرة السنوات التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته الثالثة والخمسون عائشة ابن أبي بكر الصديق لم تكن فقط لحظات مشتركة بين عاشقين وإنما أيضا مرحلة أساسية ومفصلية أثرت بشكل عميق ليس فقط على تاريخ الإسلام ولكن أيضاً على الثقافة العربية والعالم الإنساني الأوسع نطاقًا عبر القرون التالية.