كانت الهجرة النبوية إلى يثرب، المعروفة أيضًا باسم المدينة المنورة، حدثًا مفصليًا في تاريخ الإسلام. لم يكن اختيار يثرب دارًا للهجرة مجرد نتيجة لظروف الدعوة، بل كان بوحي من الله تعالى. تؤكد العديد من الأحاديث الصحيحة هذا، منها قول النبي ﷺ للمسلمين في مكة، كما ورد في حديث عائشة- ﵂: «إنّي أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين- وهما الحرّتان-» «١». وقوله ﷺ: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب» «٢».
كان الاضطهاد والابتلاء من أسباب الهجرة، حيث كانت قريش تضطهد من يتبع الرسول ﷺ من أهل مكة، حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم. كما أن توفير ملاذ آمن للدعوة كان من أسبابها المهمة، ويتضح ذلك بشكل بارز من نصوص بيعة العقبة الثانية التي بيّنت أن تكذيب قريش للرسول كان وراء الانتقال عن مكة.
أول المهاجرين كان مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم، اللذان هاجرا إلى المدينة وكانا يقرئان الناس القرآن. بينما روايات أخرى تفيد بأن أول من هاجر هو أبو سلمة بن عبد الأسد قبل بيعة العقبة بسنة واحدة.
الهجرة النبوية كانت بمثابة بداية جديدة للدعوة الإسلامية، حيث أصبحت المدينة المنورة مركزًا للإسلام ومركزًا لتنظيم الجماعة المسلمة. وقد أكد القرآن الكريم على أهمية الهجرة في الآيات الكريمة: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة: 80).
الهجرة النبوية كانت أيضًا بمثابة نموذج يحتذى به للمسلمين في كل زمان ومكان، حيث تعلمنا منها أهمية الصبر والثبات على الحق، والتضحية في سبيل الله، والاعتماد على الله في كل الأمور.
وفي الختام، فإن الهجرة النبوية إلى يثرب كانت رحلة إيمانية عظيمة تركت بصمة واضحة في تاريخ الإسلام، وهي درس مستمر للمسلمين في كل مكان.