تُعد قصة تأسيس أول دولة إسلامية واحدة من أهم المحطات التاريخية التي رسمت مسار الحضارة الإسلامية. بدأت هذه الرحلة الرائعة في المدينة المنورة بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إليها، والتي سميت فيما بعد "دار الهجرة" أو "بيت الإسلام". اتخذ المسلمون أولى خطوات بناء دولتهم الجديدة تحت قيادة الرسول الكريم، متبعين تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
في عام 622 ميلادي، ما يعرف الآن بـ"الهجرة النبوية"، انتقل النبي محمد وأصحابه من مكة المكرمة إلى يثرب -التي أصبحت تُعرف لاحقاً بالمدينة المنورة-. كانت تلك الخطوة حاسمة لمصير الدعوة الإسلامية الناشئة آنذاك؛ حيث وفرت لهم الأمان والاستقرار لبناء مجتمع مسلم مستقل بذاته. وفي المدينة ذاتها شهد المجتمع الأول للتقاليد والقوانين الدينية الإسلامية حيث وضع النبي قوانينه الإدارية والأخلاقية المتناسقة مع العقيدة الإسلامية الصحيحة.
تعززت مكانة المدينة كمركز للدولة الإسلامية بسرعة بسبب موقعها الاستراتيجي بين طرق التجارة الرئيسية. هنا وحد النبي القبائل العربية المختلفة وشكل منها مجتمعاً سياسياً واجتماعياً دينياً جديدا. وقد أسس نظام الحكم الشرعي المبني أساساً على المشورة الجماعية والتوافق (الشورى) والفقه الإسلامي الوسطي. شكل هذا النظام نواة لما أصبح يُطلق عليها اسم "الخلافة"، وهو شكل الحكومة المستمد مباشرة من التعاليم الإسلامية.
بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خلفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كأول خليفة راشد. خلال فترة ولايته القصيرة ولكن المؤثرة، حققت الدولة الفتوحات العسكرية الهائلة وساعدت في نشر الدين الإسلامي عبر العالم المعروف حينئذٍ. استمرت الدولة الأموية ثم العباسية لتوسيع رقعة الدولة وتعميق انتشار الإسلام حتى أصبحت امبراطوريتها تمتد عبر ثلاث قارات وهي آسيا وأوروبا وإفريقيا الشمالية الغربية مما جعل لها دوراً مؤثراً في تشكيل تاريخ البشرية بشكل كبير.
إن تاريخ الوطن الأول للإسلام ليس مجرد سجل للأحداث السياسية فحسب بل هو أيضاً شهادة على مرونة وثبات الإسلام أمام تحديات الزمن. إن مبادئه الأخلاقية والحكم الرشيد قد مهد الطريق للحضارة العالمية التي نعيش فيها اليوم. وبالتالي فإن دراسة نشوء أول دولة إسلامية ليست فقط أمر ذو أهمية تاريخية كبيرة وإنما أيضًا مصدر إلهام لاستنباط دروس مهمة حول كيفية تحقيق الوحدة الوطنية والنظام العالمي بناء على العدالة والكرامة الإنسانية الثابتتين والمستمدة من التراث الإسلامي الغني والمعاصر بطرق عديدة وفريدة.