يشكل شهر رجب أحد أشهر التقويم الهجري الأربعة الحرم، مما أكسب الصيام خلال هذا الشهر أهمية خاصة لدى المسلمين. على الرغم من غياب الروايات الصحيحة المحكمة حول فضيلة صيام رجب تحديداً، إلا أنه يمكن دمج هذه الفضيلة ضمن فضائل صيام الأشهر الحرم عموماً.
لقد شرّع الدين الإسلامي عبادة الصيام، بغرض تقوية إيمان الفرد وتمارينه الروحية. وبينما لم يكن هناك حديث نبوي محدد يشجع خصيصاً على صيام رجب، فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد حثَّ عامة على صيام الأشهر الحرم. وهذا التوجيه العام يعطي أساساً لاعتبار صيام رجب مستحبًا أيضاً.
يرى الفقهاء المالكيون والحنفيون والشافعية وجوب استحباب الصيام للأشهر الحرم بشكل عام، بما في ذلك شهر رجب. بينما يرى الحنابلة استحباب الصيام لأشهر محرم فقط، مع اختلافات داخل المذهب نفسه حول درجة الاستحباب الأخرى لهذه الفترة. ومع ذلك، يحذر معظم علماء الحديث من اختصاص شهر رجب للصيام بمفرده لما فيه تشبه بسلوك الجاهلية القديم.
بالنظر إلى رأي الجمهور من الفقهاء، يتم التأكيد على أهمية الصيام لبضعة أيام متفرقة من شهر رجب، وهو ما توافق عليه كافة المدارس الفقهية الأربع الرئيسية. ويتضح فصل الخلاف حين يتم تناول مسألة البدء الخاص برجب بالسؤال عن توثيق الأدلة الشرعية لذلك الأمر. فعلى سبيل المثال، حكم الشوكاني بأن جعل يوم الخميس الأول من رجب يوماً للتضحية وغيره يوماً للاسترحاء مجرد تخمين بدون سند شرعي واضح. كما أنه ينتقص من قدرة أدلة أخرى مثل قصة بناء سفينة نوح والصوم أثناء بنائها والتي تعتبر قصتها ملفقة حسب الدراسات الحديثة حول التاريخ الإسلامي المبكر.
بالإضافة لفهمه كموقع استراتيجي في الدورة السنوية للدورة النبوية، يحتل شهر رجب مكانة فريدة ويحدده القرآن الكريم باعتباره واحدًا ضمن سبعة أشهر مباركة. حيث ترتبط كل مرحلة من مراحل نمو الأرض بإحدى هذه المراحل السبعة للشمس والقمر وفقاً للنظام الفلكي التقليدي آنذاك. وعلى نحو مشابه، يعتبر المسلمون شهر رمضان بمثابة محصول زرعه شعبان وصانه رجب بنوره الرحماني المطلق.
وفي النهاية، رغم عدم وجود أحاديث محددة تدعم خصوصية صيام شهر رجب، تبقى مبادئه العامة للتسامح والإشراف الأخلاقي راسخة ومتأصلة عبر القرون العديدة التالية لتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة تحت ظل خلافتها الراشدة حتى وقتنا الحالي.