في عام ١٤٥٣ ميلادي، حقق السلطان العثماني الشاب، محمد الثاني المعروف بـ "محمد الفاتح"، انتصاراً عسكرياً كبيراً بتحريره للقسطنطينية - المدينة التي تعد مركز الإمبراطورية البيزنطية آنذاك. هذه الحادثة ليست مجرد حدث تاريخي مهم؛ إنها أيضاً قصة تتضمن الكثير من الدروس الاستراتيجية التي يمكن دراستها حتى اليوم.
بدأ الفاتح حملته بحصار مدينتي غاليبولي وأدرنة قبل التركيز على هدفه النهائي وهو العاصمة البيزنطية الغنية والقائمة بشكل دفاعي. بعد حصار دام لشهر واحد تقريباً, تمكنت القوات العثمانية من الوصول إلى أسوار المدينة باستخدام المدفعية الحديثة آنذاك والتي كانت تعتبر تكنولوجيا متقدمة بالنسبة لتلك الحقبة الزمنية. هذا التحول التقني أدى إلى اختراق دفاعات القسطنطينية المحاربة بشدة منذ القدم.
لكن الأمر لم يكن فقط حول القوة النارية الجديدة; فقد كان لدى محمد الفاتح خطة استراتيجية عميقة ومتعددة الجوانب. لقد جمع بين العمليات البحرية والجوية مع الحملة البرية الرئيسية. قام بمراقبة حركة المرور البحري للمدينة عبر استخدام سفن صغيرة سريعة وخفيفة الوزن ما مكنه من شن هجمات مفاجئة وتشتيت الانتباه عن المشروع الرئيسي للحرب الأرضية. كما لعب الجانب النفسي دورا هاما في نجاحه. فبالإضافة إلى قدرته الباهرة والتخطيط الرائع له, قدم لهم رسالة سلام مهدئة لأهل المدينة مما ساعد أيضا في خفض روعتهم وزيادة نسبة الخونة منهم مما دعم جهود الفتح أكثر.
ومن الجدير بالذكر هنا دور المسلمون الروميون* الذين كانوا يعيشون داخل حدود المدينة والعلاقات الوثيقة التي ربطت بينهم وبين المسلمين الأتراك خارج الأسوار؛ إذ لعبوا دوراً بارزاً في تقديم معلومات قيمة حول الدفاعات الداخلية ونقاط الضعف فيها مما يعتبر دليلاً آخر على أهمية النواحي الإنسانية في الحرب والمجتمع.
وبالتالي فإن فتح محمد الفاتح للقسطنطينية ليس فقط نتيجة لقوته العسكرية ولكن أيضًا بسبب ذكائه السياسي والفكري واستخدامه المتقدم للتكنولوجيا المتاحة وقتئذٍ. إن درس افتتاحاته يدلنا على مدى تأثير التنويع والاستعداد والاستخبارات البشرية والإنسانية في عالم الاستراتيجيات العسكرية والعقلانية العامة للقيادات السياسية.